النكبة المستمرة منذ ستين عاما

نكبة الفلسطينيين عيد اسرائيل، لكن النكبة ليست يوما يتذكره كل طرف بطريقته, إنها مسلسل مستمر الى اليوم، والفلسطينيون الذين غادروا قراهم وكرومهم وبيوتهم في تلك الأيام، ما كانوا يعتقدون إلاّ أنها أيام وأسابيع حتى تهدأ الأمور ويعودون.

اضافة اعلان

 آلاف القصص، التي تصلح كل واحدة منها لكتابة دراما كاملة، حدثت وأصبح رمزها ذلك المفتاح القديم الذي يحتفظ به الآباء والأجداد، لكن أي من هؤلاء لم يتخيّل على الأرجح أن النكبة ستستمر لستين عاما، حتى اليوم يضرب الفلسطينيون ويحاصرون ويقتلون ويهجّرون وتبنى مستوطنات جديدة على أرضهم.

 كنّا نقرأ، أطفالاً، عن يوميات النكبة وعن ثورة الـ36، وعن حرب الـ48. ونعضّ الأصابع ندما أو غضبا على غفلة الآباء.. كيف سمحوا أن يحدث ما حدث؟ كيف أمكن للصهيونية أن تتسلل شيئا فشيئا فتبني قاعدتها في فلسطين ثم تخطف البلاد من أصحابها، لو أنهم انتبهوا مبكرا؟! لو أنهم لم يقعوا في كل تلك الأخطاء والخطايا التي قرأنا عنها وبدت لنا تاريخا سحيقا يجب أن نبذل جهودا مضاعفة لتصويبه، أي لتحرير الأرض.

 ولم نعرف أن المزيد يتربص بنا وأسوأ، فقد اقتنعنا لاحقا أنها الخيانة والمؤامرة وليست الغفلة والضعف وقلّة الدراية، حتّى حاقت بنا هزيمة 67، وفي القيادة أعتى زعامة وطنية في التاريخ العربي. كنّا نريد إيضاحات فورية عن السرّ وتابعنا كل خبر وإشاعة من تلك التي كانت تغلي بها الصحف والمجالس ووسائل الإعلام، وكنّا نتعجّل الثأر، سنة سنتين..، لكن ليس أكثر وما كان ليخطر ببالنا إطلاقا أننا وبعد 41 عاما على تلك الحرب سنكون ما زلنا نبحث في "إزالة آثار العدوان" و.. دون حظّ من النجاح!.

 لم يعد هناك أي حماس أو أمل بحرب ردّ اعتبار بعد أكبر حرب أمكن للعرب خوضها عام 73، تمّ فيها تسخير أقصى إمكانيات متاحة للأمّة بما في ذلك سلاح البترول، حرب كانت ذروة الإنجاز فيها عبور القناة لبضع كيلومترات مقابل عبور اسرائيلي معاكس، ثم مفاوضات لم تثمر نتيجة إلا عندما استعدت مصر للتخلي عن بقية العرب مقابل استعادة سيناء.

 لم تعد اسرائيل قادرة على التوسع وخبرت ذلك في جنوب لبنان إذ اضطرت في النهاية أن ترتد على أعقابها، لكن في فلسطين تستمر النكبة وقد تم إعادة تحجيم الضفّة بالجدار العازل ويعيش الفلسطينيون في معزل وبين حواجز تذيقهم العذاب، ومازالت أرضهم تصادر والمستوطنات تتوسع.

 لن نطرح سؤال ما العمل! فالبديل للمفاوضات وعزوف وعجز العرب عن المواجهة بقي للفلسطينيين أن يجربوا طريقا انتحاريا، القتال وحدهم، وبما توفر من وسائل وفق ما عبّرت عنه ظاهرة حماس، والآن فإننا بالكاد نظفر بوقف لإطلاق النار.

 النكبة مستمرة، لكن فاتت فرصة إخفاء الفلسطينيين من الوجود، فهم موجودون داخل وخارج أرضهم، ولن يكونوا خلال سنين بأقل من عدد اليهود على أرض فلسطين. وهكذا فالمشكلة قائمة وستبقى قائمة. هي أزمة عبرت القرن العشرين كله ومازالت مفتوحة بالكامل خلال هذا القرن الحادي والعشرين، وليس ممكنا حصر تأثيرها على حياة القرن الفائت، ومازال علينا أن نتوقع المزيد.

 وقد وقع بين يدي سيرة مثيرة للروائي اليوناني كازنتزاكي عن رحلة حجّ له في الثلاثينات الى فلسطين وتحدث عن المشروع الخيالي لإقامة دولة يهودية في فلسطين، وقال: إنه شعر بالرعب من الآثار الخطيرة لهذا الاحتمال، وكان يصلي ألا يحدث. وفكرت كم كان رؤيويا هذا الرجل، وهو يتحدث عن المشروع بوصفه كابوسا، لا يجب أن يتحقق، لكنه تحقق والعالم مازال يدفع الثمن.

[email protected]