النوع الاجتماعي في البحوث العربية

استضاف البنك الدولي في مقره في واشنطن يومي 5 و6 نيسان/ ابريل الحالي لقاء مشتركاً بين الشبكة العربية للنوع الاجتماعي والتنمية (أنجد) والشبكة الفارسية للنوع الاجتماعي "ومبادرة البحوث الاقتصادية المراعية للنوع الاجتماعي وتحليل السياسات"، والأخيرة مبادرة مشتركة ما بين البنك الدولي ومركز المرأة العربية للبحوث والتدريب (كوثر) ومقره تونس.

اضافة اعلان

ومناسبة اللقاء، الذي سعدت بالمشاركة فيه، هي الاطلاع على آخر تقارير البنك الدولي الخاصة بحالة التنمية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا من وجهة نظر النوع الاجتماعي. والأهم من ذلك الاستماع إلى تقارير عن أول مسابقة للباحثين الاقتصاديين في دول المنطقة والمخصصة لتشجيع الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية المراعية للنوع الاجتماعي، كما خُصص جانب من اليوم الثاني من اللقاء لبحث سبل تحويل نتائج الدراسات إلى آليات تكفل إيصالها إلى صانعي القرار في المنطقة، وفتح الباب للمرحلة الثانية من مسابقة الباحثين الشباب من أجل ادماج مقاربة النوع الاجتماعي في البحوث الاقتصادية.

وعلى الرغم من غرابة أن ينتقل الباحثون والباحثات والخبراء من دول المنطقة إلى العاصمة الأميركية لمناقشة نتائج الأبحاث التي خرجت بها الجولة الأولى من المسابقة، إلا إنها كانت فرصة مهمة للتعرف على جيل جديد من الباحثات والباحثين الاقتصاديين من مختلف الدول العربية وتركيا وايران وأفغانستان.

لقد انطلقت فكرة المسابقة البحثية من حقيقة أن العالم العربي قد تخلف عن بقية الأقاليم الأخرى في العالم من حيث مراعاة النوع الاجتماعي على صعيد المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. إذ بالرغم من التحسن الملموس في أوضاع المرأة من حيث القدرة على الوصول إلى التعليم والخدمات الصحية، إلا أنها ما تزال متأخرة جداً على صعيد المشاركة الاقتصادية والسياسية.

ولذلك فقد توجه الاهتمام نحو تشجيع إدماج النوع الاجتماعي في البحوث والسياسات الاقتصادية من أجل تحسين قدرة وصول المرأة إلى الفرص الاقتصادية، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام قدرات ومواهب واسعة للاستفادة من زخم العوائد المالية لارتفاع أسعار النفط وخلق قطاع خاص أكثر تنوعاً. حيث يحتاج هذا الأمر إلى جيل جديد من الاقتصاديين المؤهلين الذين لديهم الإدراك اللازم لإدماج النوع الاجتماعي في الحياة الاقتصادية.

ومن هنا انطلقت "مبادرة البحوث الاقتصادية المراعية للنوع الاجتماعي وتحليل السياسات" في تونس قبل عامين، التي مولها البنك الدولي ونهضت بتنفيذها شبكتان للبحوث العربية والفارسية المراعية للنوع الاجتماعي.

ولقد أثمرت المسابقة عن استقطاب ستين مشاركة بحثية من مختلف دول المنطقة، تم اعتماد 27 منها لغايات الدعم. واللافت للانتباه أن 24 بحثاً منها أعدت باللغة الإنجليزية وبحثين اثنين باللغة العربية وبحث واحد باللغة الفرنسية. وبطبيعة الحال فقد عرضت الأبحاث ونوقشت باللغة الانجليزية خلال اللقاء المذكور.

تمت في لقاء واشنطن مناقشة معظم الأبحاث المعتمدة، حيث توزعت ما بين عدة محاور وموضوعات دراسية، مثل المشاركة النسائية في قوة العمل، التعليم والتدريب كمحرك لتمكين المرأة، الإصلاح الصحي ودور المرأة كمقدمة للخدمات الصحية ومستقبلة لها، المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والريادة في مجال الأعمال، التحليل الاقتصادي للتمكين من وجهة نظر النوع الاجتماعي، فعالية مكافحة الفقر وتمكين المرأة.

لقد توزعت الأبحاث التي عرضت في اللقاء المذكور بصورة غير متساوية بين المحاور الستة الرئيسية، فقد حظيت قضايا الفقر والتنمية البشرية بست دراسات وتلتها الدراسات الخاصة بمشاركة المرأة في العمل، والتحليلات الاقتصادية – الاجتماعية والتمكين من حيث النوع الاجتماعي بأربع دراسات لكل منها، فيما قدمت ثلاث دراسات في كل محور من المحاور الأخرى كالتعليم والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وريادية الأعمال والصحة.

وإذا جاز توزيع الأبحاث المعتمدة حسب البلدان فإن الحصة الأكبر من الأبحاث كانت من نصيب باحثات من مصر، بمعدل ست دراسات، وتلتها المغرب التي قدمت أربعة أبحاث. وتمثلت مساهمة فلسطين بعدد مماثل، أي أربعة أبحاث، ثم كل من تركيا وايران التي قدمت كل منهما ثلاثة أبحاث، فيما قُدم بحثان من كل من الأردن وتونس، وحظيت بلدان مجلس التعاون الخليجي بثلاثة أبحاث، وكان هناك بحث واحد من كل من لبنان، اليمن، السودان وجيبوتي.

وإذا كنا لا نريد ان نحمل التوزيع السالف للأبحاث حسب البلدان دلالات لا يحتملها، فإن إيراد هذا التوزيع ربما يشكل حافزاً لباحثي البلدان التي تتمتع بقدرات بحثية جيدة، مثل لبنان وتونس والأردن، لتعزيز مشاركتها في هذا المضمار.

لقد وفر لقاء واشنطن مناسبة مهمة للتعرف على جيل جديد من باحثي وباحثات العالم العربي والشرق الأوسط، من بينهم نسبة ملموسة تعمل في الجامعات الأميركية والاوروبية، وقد أخذ هؤلاء على عاتقهم مهمة غرس وتجذير البعد الجندري في البحوث الاقتصادية، وهي مقاربة ناشئة في بحوث المنطقة.

وإذا كان بعض المشاركين في اللقاء قد عاب على الأبحاث المقدمة ضعف الإطار النظري والمفاهيمي للنوع الاجتماعي، من خلال تركيزها على الجنس وليس على الدور الاجتماعي، إلا أن هذا النوع من الضعف المنهجي متوقع ومفهوم بالنسبة لمقاربات حديثة وناشئة على العلوم الاجتماعية العربية، علماً بأن مثل هذه الملاحظة لا تنطبق على جميع الابحاث المقدمة.

ولعل القائمين على المسابقة يلتفتون في المرحلة المقبلة إلى الملاحظات والمقترحات التي يمكن سوقها على أبحاث المرحلة الأولى منها، ولا سيما ضرورة التفريق ما بين الأبحاث الأكاديمية المقدمة للجامعات وما بين الأبحاث المقدمة للمسابقة، من حيث أن هدف الأخيرة هو التأثير في السياسات. فعلى الرغم من أن أكثريتها مثلت أبحاثاً رصينة يمكن البناء عليها للتأثير في صانعي القرار، الا أن بنية الأبحاث وطريقة إعدادها يجب أن تقوم من حيث المبدأ على استهداف التأثير في السياسات أو اقتراح سياسات. وهذه، على كل حال، مهارات بحثية، ليس من السهل اكتسابها مباشرة من الجامعات والمعاهد الأكاديمية العربية.

ومن ناحية أخرى فإن من المفيد أن يشجع القائمون على المسابقة اعداد دراسات مقارنة على صعيد الاقليم حول موضوعات منتقاة، وتشجيع قيام مجموعات بحث متنوعة الجنسيات حول موضوعات موحدة، وربط مراكز الابحاث المستقلة في بلدان المنطقة مع المبادرة وتشجيعها على إغناء المشاركة.

أما على صعيد محاور المراحل اللاحقة من المسابقة البحثية فإن من المفيد أن يتوجه الاهتمام إلى حقول جديدة مثل السياسات المالية والموازنات الحكومية المراعية للنوع الاجتماعي، ودراسة الحاكمية في البلديات والمنظمات غير الحكومية والنقابات والأحزاب من وجهة نظر النوع الاجتماعي.

يبقى أن ننوه في الختام إلى القوة المحركة الرئيسية للمبادرات الخاصة بالنوع الاجتماعي في المنطقة، ونعني به مركز المرأة العربية للبحوث وللتدريب (كوثر)، وهو نتاج توليفة مبتكرة من المساهمات المدنية والحكومية والدولية في إطار تنظيمي واحد.

ان (كوثر) هي قصة نجاح فريدة لمنظمة إقليمية أطلقت العديد من المبادرات والشبكات المتمحورة حول تعزيز دور المرأة في الحياة العربية وتحقيق العدالة الجندرية. وبذكر هذه المنظمة لا يمكن الا التوقف أمام شخصية د. سكينة بوراوي مديرة (كوثر) والعقل المدبر لسلسلة المبادرات والشبكات التي أطلقتها خلال السنوات الأخيرة، حيث جمعت سكينة بوراوي بصورة استثنائية ما بين تميزها الأكاديمي كعالمة اجتماع وبين قدراتها التنظيمية والادارية العمالية، ما جعل (كوثر) لاعباً إقليمياً رئيسياً في بحوث وسياسات التنمية المستجيبة للنوع الاجتماعي.

[email protected]