الهجوم التركي سينشر الفوضى والتطرف في شمال شرق سورية

Untitled-1
Untitled-1

ديفيد ليبسكا* - (أحوال تركية) 7/10/2019

بدأت القوات الأميركية الانسحاب من شمال شرقي سورية يوم الاثنين، متخلية فيما يبدو عن حليف رئيس لتفسح الطريق أمام هجوم يشنه الجيش التركي، يقول محللون إنه قد يقوّض الأمن في المنطقة بشدة ويُشجّع تنظيم "داعش" على العودة من جديد.
وبعد مكالمة هاتفية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، أعلن البيت الأبيض مساء يوم الأحد أن تركيا ستمضي قدماً قريباً بعمليتها التي ظلّت تخطط لها منذ فترة طويلة، وأن القوات الأميركية ستُخلي المنطقة.
وكانت القوات الأميركية تُسلّح وتدرب وحدات حماية الشعب في شمال شرقي سورية. وبدعم من المدفعية والقوات الجوية الأميركية، شكّلت هذه المجموعة الكردية الجزء الأكبر من قوات سورية الديمقراطية التي دحرت تنظيم "داعش" في البلاد.
لكن تركيا تنظر إلى وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية على أنهما امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً مسلحاً في تركيا منذ ثلاثة عقود، والمصنف كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتقول دارين خليفة، المحللة البارزة المتخصصة في الشأن السوري لدى مجموعة الأزمات الدولية، إنه حتى لو شنت تركيا عملية محدودة، فسيكون من شأن تلك العملية الإضرار بالأمن الإقليمي؛ حيث ستتقلص رغبة وحدات حماية الشعب في الاستمرار في التصدي لعمليات تنظيم "داعش".
وأضافت خليفه "أنه حتى إذا أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لهجوم عسكري في منطقة الشمال الشرقي (السوري) بالكامل، فإن هذا سيُحدث فوضى أمنية عارمة… لا أعتقد أن لدى الولايات المتحدة أي شيء تكسبه من هذا. إنهم يرفعون أيديهم، إنهم يهددون أمن وسلامة شركائهم، ويسهمون في إمكانية عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى الظهور من جديد".
وفي الأسابيع الأخيرة، دمّرت وحدات حماية الشعب الكثير من التحصينات على طول الحدود التركية، بما يتفق مع خطة أميركية-تركية لتأسيس منطقة آمنة، وهو ما جعل الحدود مكشوفة بصورة أكبر أمام أي هجوم محتمل.
وقالت قوات سورية الديمقراطية إنها أزالت التحصينات، وسحبت الأسلحة الثقيلة والقوات القتالية من المنطقة بناء على ثقتها في الولايات المتحدة. وقال مركز العمليات العسكرية لقوات سورية الديمقراطية في تغريدة "إن تهديدات أردوغان تهدف إلى تغيير الآلية الأمنية وتحويلها إلى آلية للموت، وتهجير شعبنا وتحويل المنطقة المستقرة والآمنة إلى منطقة صراع وحرب دائمة".
وقال البيت الأبيض أيضاً إنه لن يساعد قوات سورية الديمقراطية بعد الآن على تحمل المسؤولية عن عناصر تنظيم "داعش" المعتقلين وأسرهم، بما في ذلك آلاف المقاتلين القادمين من أوروبا. وورد في البيان أن "تركيا ستكون الآن مسؤولة عن جميع مقاتلي تنظيم ‘داعش’ في المنطقة التي تم الاستيلاء عليها خلال العامين الأخيرين".
ويتوزع نحو عشرة آلاف سجين من تنظيم "داعش"، ومن بينهم ألفا سجين أجنبي، على مراكز الاحتجاز في شمال شرقي سورية، بينما يُقال إن نصف سكان مخيم الهول تقريباً -والبالغ عددهم نحو 70 ألفاً- هم من الموالين لتنظيم "داعش".
وقال أردوغان في تصريحات للصحفيين في أنقرة قبل أن يتوجه إلى صربيا صباح الاثنين الماضي، إن تركيا تعمل على إيجاد حل لتسليم المقاتلين الأجانب من الهول إلى بلدانهم.
وذكرت وكالة الأناضول للأنباء، التي تديرها الدولة، أن الرئيس أكد أيضاً أن القوات الأميركية بدأت في الانسحاب من تل أبيض ورأس العين، وقال إن هناك مبالغات كثيرة بشأن عدد معتقلي تنظيم "داعش".
وقالت دارين خليفة: "إذا كانت الولايات المتحدة تسلم السيطرة على هذه المخيمات ومراكز الاعتقال إلى تركيا، فإن هذا يعني أنهم يسلمون أجزاء كبيرة من المنطقة، إن لم يكونوا يسلّمونها بالكامل".
وكانت عشرات النساء اللواتي تربطهن صلات بتنظيم "داعش" قد فررنَ من المخيم الشهر الماضي، ويُعتقد أنهن هربن إلى تركيا. وبعد ذلك بأيام، أبلغ مظلوم كوباني، قائد قوات سورية الديمقراطية، الصحفيين، بأن قوات الأمن التابعة له في الهول أصيبت بالارتباك وأن تنظيم "داعش" قد يتمكن قريباً من الاستيلاء على المخيم.
وقال الناشط السوري عمر أبو ليلى، الذي يدير منصة (دير الزور 24) المستقلة للأخبار في تغريدة باللغة الإنجليزية: "فلنستعد قريباً لميلاد ثان لداعش من جديد" مستخدماً الاسم المتعارف عليه في العالم العربي لتنظيم الدولة الإسلامية.
وكان الرئيس دونالد ترامب قد تعهد في كانون الثاني (يناير) بحماية أكراد سورية، وقال في تغريدة إنه سوف "يدمر" اقتصاد تركيا إذا هاجمت الأكراد. ودخل ترامب من قبل في خلافات مع مسؤولين أميركيين بشأن خطط للانسحاب من سورية.
وقال بريت ماكغورك، المبعوث الأميركي السابق للتحالف الدولي ضد "داعش"، في سلسلة من التغريدات بعد وقت قصير من إعلان القرار "إن دونالد ترامب ليس رئيس أركان. إنه يتخذ قرارات متهورة من دون دراية أو تشاور". وأضاف "أن تركيا ليست لديها النية، ولا الرغبة، ولا القدرة، على إدارة 60 ألف معتقل في مخيم الهول، والذين يحذر (مسؤولون في وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين) من أنهم نواة لعودة تنظيم ‘داعش’".
وتساءل آرون لوند من معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي عما إذا كان ترامب يأمل في أن يخدع نظيره التركي بمثل هذا التحرك. وقال في تغريدة "إذا كان هذا لا يبدو معقولاً، فربما يكون أحد الأسباب هو أنه كذلك فعلاً. قد يعود جزء من هذا إلى أن ترامب ينتقد بشدة وغضب، أو ربما حتى يخادع، فكأنما يقول لأردوغان: حسنا، إذا كانت تريد سورية فهنيئاً لك الهول وامرح به كيفما شئت".
وتوقّع سونير شاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن تتجه قوات سورية الديمقراطية إلى الأسد طلباً للحماية. وقالت خليفة إن الأرجح أن وحدات حماية الشعب ستنشر عدداً كبيراً من أفراد قواتها القتالية الأساسية في الشمال لتأمين المناطق المكشوفة أمام الجيش التركي. وأضاف أن "هذا سيؤدي إلى انهيار فوري لشبكات الأمان في هذه المنطقة، والتي ظلّت تشكل حائط صد يحول دون عودة تنظيم ‘داعش’."
وأقرت دارين خليفة بأن تركيا لم تكن أبداً لتقبل بشراكة طويلة الأجل بين واشنطن ووحدات حماية الشعب، وحقيقة وجود مجموعة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني على الحدود. لكنها قالت "أعتقد أيضاً أن التحول إلى النقيض تماماً وإعطاء الضوء الأخضر لعملية عسكرية يُعرّض مصالح الولايات المتحدة الأمنية للخطر".
وقال أردوغان إنه كان يخطط لإعادة توطين ما يصل إلى مليوني نسمة من أصل 3.5 مليون لاجئ سوري في تركيا في هذه المنطقة، وقال محللون إن من شأن هذا تغيير التركيبة السكانية للمنطقة ذات الأغلبية الكردية وتحويلها إلى منطقة ذات أغلبية عربية.
وقال نديم خوري، المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي، في تغريدة: "الصحفيون والمحللون يتساءلون عما يحدث في الهول وما يتعرض له الكثير من الأجانب… ولكن، من يسأل عما سيحدث للسكان (المحليين)… هل هناك خطة لهم؟".

اضافة اعلان

*كاتب وصحفي مختص بالشأن التركي وخصوصاً أكراد تركيا.