الهوية الدينية أولا

قبيل ساعات من ليلة القدر، يقتل الاحتلال الإسرائيلي فلسطينيين في القدس والضفة الغربية، ويغلق المسجد الأقصى في الجمعة الأخيرة من رمضان، وقبل ذلك يقتحم إسرائيليون الحرم القدسي دون ادنى اعتبار لحرمة رمضان، ولا غير رمضان.اضافة اعلان
لا يقف الاحتلال عند هذا الحد، بل إن آلته الإعلامية والدعائية، تصر أن تصنع صورة زائفة، فتقول إن وجود مئات آلاف المصلين في المسجد الأقصى، خلال رمضان، وأيام الجمع، والثلث الأخيرة من رمضان، دليل على تسامح إسرائيل، مع المسلمين، ومع الفلسطينيين، وأن إسرائيل لا تمنع الناس، من ممارسة صلاتهم، ولا تقوم بأي إجراءات ما لم يتعرض جنودها الى هجوم فلسطيني، وهذه الصورة الزائفة التي يراد تصويرها وبيعها امام الرأي العام في هذا العالم، تتجاهل الحقيقة التي تقول انه ليس من حق الاحتلال تزيين وجهه القبيح.
الكل يدرك أن هذه الصورة الزائفة، لا تصمد أمام الواقع، إذ كيف يمكن اتهام الشاب الفلسطيني الذي طعن إسرائيليين بكونه السبب في رد الفعل الإسرائيلي، أي اغلاق المسجد الأقصى، وإسرائيل ذاتها تسمح للمتطرفين وغيرهم، بدخول المسجد الأقصى، طوال العام، عبر باب المغاربة، او بوابات أخرى، وهي ذاتها التي تحاول تقسيم الحرم القدسي، فوق الذي نراه، من حفر تحته، او محاولة اغلاق مصليات أو بوابات داخل الحرم القدسي، في سلسلة متواصلة من الإجراءات.
من المؤسف هنا، أن يقال إننا وفي عز نقاشاتنا بشأن ما يجري في الحرم القدسي، لا بد أن نعترف أن الاحتلال استطاع فصل الجمهور عن بقية المدن الفلسطينية، إذ ان كل النقاشات تجري اليوم، بخصوص القدس، والصلاة في المسجد الأقصى، وتم اغماض العين عما جرى ويجري في يافا وحيفا وعكا، والنقب، وبقية مناطق فلسطين، وكأننا وقعنا في الفخ الإسرائيلي، الذي يريد تصغير القضية الفلسطينية، تدريجيا، وتحديد بوصلة جديدة، تتعلق فقط بفتح المسجد الأقصى للصلاة، او إغلاقه وغير ذلك من قضايا، تتم معالجتها يوميا، على الصعيد السياسي والإعلامي.
حكومة الاحتلال تدرك من خبرتها، أن ملف المسجد الأقصى، ملف حساس جدا، وهي لا تريد بكل الأحوال ان تشتعل المواجهات داخل مدينة القدس، التي يعتبرها امنيون إسرائيليون، بمثابة مدينة خطيرة، وصفها احدهم، بكونها تحت السيطرة الإسرائيلية، نهارا، وتحت السيطرة الفلسطينية، ليلا، حيث يدب الذعر بمن يحتلون القدس، ليلا، خوفا من العمليات، ومن التحشيد في الأقصى وحوله، وغير ذلك.
لكن هذه النظرية لا تصمد، في حالات كثيرة، إذ ان الذي طعن إسرائيليين، نفذ عمليته نهارا، وإسرائيل لا تتورع عن اغلاق المسجد، ليلا، كما على مشارف ليلة القدر، او أي ليلة أخرى، وهواية الإسرائيليين، هنا، التورط في التقسيمات، ليلا ونهارا، او ان الحرم القدسي، ذاته قابل للقسمة جغرافيا، وما تحته لإسرائيل، وما فوقه للفلسطينيين، وهي وصفة سبق أن تم طرحها، أو حتى وصفة أن يأخذ المسلمون المسجد القبلي، ويستولي الإسرائيليون على مسجد قبة الصخرة، من اجل التوطئة من اجل إقامة هيكل سليمان داخل الحرم القدسي.
كلما حاولت أطراف كثيرة، تحويل القضية في القدس، الى قضية سياسية، او تحويل القضية الفلسطينية الى قضية قومية، تأتي عوامل جديدة، تعيد الهوية الدينية الى الصراع، ومن المهزلة أن نرى محاولات كثيرة، لدى اطراف عدة، لعزل الجانب الديني في قصة الاحتلال، هذا على الرغم من أن كل قصة الاحتلال جذرها توراتي، وركيزتها قائمة على المتدينين اليهود، وعلى إقامة هيكل سليمان، فلماذا يراد من المسلمين عزل هويتهم الدينية في هكذا صراع، فيما من يحتل فلسطين يستند الى هويته الدينية، ويستمد منها، كل اساطيره السياسية التي نراها.
قضية فلسطين، بقدر كونها وطنية وقومية، إلا أنها دينية، وهذا ليس تكريسا لما يراه البعض صراعا دينيا، بل لأن كل مشروع إسرائيل قائم على جذر ديني، والغريب ان كثرة اليوم، من العرب وغيرهم، يلوون السنتهم، ويقولون إن الصراع سياسي، أو قومي، فقط، أو أنه صراع ضد احتلال، مثل أي احتلال، وهم في هذا يريدون إضعاف الهوية الدينية المغذية للروح الشعبية ضد الاحتلال، فيما الاحتلال ذاته، لا يلغي هويته الدينية، ويرسل كل يومين، فريقا من المتطرفين لاقتحام المسجد الأقصى، وهو موقع ديني، لا يمكن شطب هويته، أبدا.