‘‘الهوية الرقمية‘‘ للطفل على الإنترنت تنتهك خصوصيته وتهدد مستقبله

نشر صور ومعلومات عن الطفل قد يؤدي إلى اساءة استخدامها -(ارشيفية)
نشر صور ومعلومات عن الطفل قد يؤدي إلى اساءة استخدامها -(ارشيفية)

مجد جابر

عمان- يبدو أن الأخطار العاطفية والاجتماعية والنفسية على الطفل يتسبب بها الآباء بدون إدراك أو وعي مباشر لذلك؛ إذ يؤسسون لصغارهم "هوية رقمية" على الإنترنت، مما يتسبب لهم بمشاكل مستقبلية.اضافة اعلان
أهال يحرصون على نشر صور أطفالهم بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي وعلى مدار اليوم. من ساعات الصباح وحتى المساء تمتلئ الصفحات بكل تفاصيل الصغار وأماكن تواجدهم بالمدرسة والبيت والشوارع وكل المناسبات.
كذلك، يلجأ الكثير من الأهالي وبدون وعي إلى نشر المعلومات عن الأبناء مثل أعمارهم واسم المدرسة، ومرحلتهم الدراسية، ومواعيد الذهاب والرجوع للبيت.
اختصاصيون اعتبروا أن نشر صور الأطفال على منصات مواقع التواصل الاجتماعي يعد من أشكال التنمر الذي سيعود على الطفل بطريقة سلبية بالمستقبل، وقد يوقعه ذلك ضحية لظروف استغلال نفسي وجنسي من قبل آخرين. وأضافوا أن نشر الصور والمعلومات يعرضهم أيضا لإنشاء حسابات وهمية تحمل أسماءهم الحقيقية وصورهم ليكونوا عرضة للخطر والاستغلال على الصعد كافة.
وفي دراسة أجريت في بريطانيا، لفت خبراء إلى خطورة هذا الأمر، لاسيما في حالة وقوع صورة الأطفال في أيدي أشخاص مؤذين، منوهين إلى أن الآباء والأمهات في بريطانيا ينشرون ما يقارب 1.3 مليون صورة لأطفالهم على مواقع التواصل الاجتماعي كل عام.
ولفت الخبراء إلى أن ما يقرب ثلث هذه الصور التي يتم نشرها يُمكن لأي شخص أن يراها، ومع سهولة وصول المولعين بالاعتداء جنسيا على الأطفال، لتلك الصور بسهولة؛ فإن 53 % من الأباء ما يزالون ينشرون صور عودة أطفالهم للدراسة.
وبحسب إحصائيات عالمية وتقديرات، يبلغ عدد مستخدمي "فيسبوك" في الأردن 5.7 ملايين حساب، وعلى "تويتر" ما يقارب ثلاثمائة ألف مستخدم، أما "انستغرام" فهناك ما يقارب مليون مستخدم، ومليون آخرون على موقع "سناب شات".
الخبير في مواجهة العنف ضد الأطفال لدى مؤسسات الأمم المتحدة ومستشار الطب الشرعي، الدكتور هاني جهشان، يبين أن مشاركة صور الأطفال أثناء قضاء أوقاتهم الجميلة، مع الأسرة والأصدقاء، هو أمر يعتبره الأهل إيجابيا لأنه يوثق لحظات الفرح، إلا أن ذلك يجب أن يكون في مجموعات مغلقة؛ حيث إن هناك مخاطر عديدة في نشر الصور على الصفحات العامة.
المخاطر التي قد تلحق بنشر صور الأطفال أيضا، وفق جهشان، هي إساءة استخدم هوية الطفل في برامج فوتوشوب لإنتاج صور غير حقيقية قد تهدد مستقبل الطفل، مبينا أن الدراسات أثبتت كذلك أن 50 % من صور الأطفال لدى المنحرفين جنسيا، أخذت من على مواقع التواصل الاجتماعي، وجزء ليس بقليل منها هي لأطفال معروفة هويتهم، تم تركيب الصور المسيئة عليها من خلال برامج فوتوشوب.
ويضيف "أن نشر صور ومعلومات حقيقية عن الطفل، قد يؤدي إلى استخدامها بشكل يسيء اليه نفسيا عند بلوغه مرحلة المدرسة من قبل أطفال آخرين وذلك بالتنمر عليه مباشرة أو بواسطة إعادة نشر صوره على وسائل التواصل الاجتماعي، وتوفر نظم البحث في الانترنت سهولة كبيرة في البحث عن الأشخاص بمن فيهم الأطفال وتتبع المعلومات المتوفرة عنهم".
كما أن نشر صور الأطفال، يزرع بهم ثقافة تقبل نشر أي صور مستقبلا وخاصة عند بلوغهم عمر المراهقة، وتعودهم على ذلك قد يوقعهم في ظروف استغلال جنسي من قبل آخرين، وفق جهشان.
ويذهب جهشان إلى أن نشر الصور يسبب استغلالا من قبل "خاطفي المعلومات" للإيقاع بالآخرين إن كانوا أطفالا أو مراهقين أو بالغين، وذلك من خلال مواقع الدردشة والتواصل الاجتماعي، لذلك فهو يشكل انتهاكا لخصوصية الطفل بدون وعي منه أو إدراك بذلك.
وعند نشر صور الأطفال، على الأهل أن يدركوا أنهم فقدوا السيطرة تماما عليها، ويجب قبل النشر ضبط مؤشرات الخصوصية، وعدم ربط الصورة باسم الطفل كاملا أو تاريخ ميلاده أو عنوان السكن، وألا تنشر إلا للأقارب والأصدقاء الموثوق بهم، وإلغاء المعلومات المتعلقة بتحديد الموقع والعنوان على خرائط الإنترنت، بحسب جهشان.
ويذهب إلى أهمية أخذ موافقة الطفل على نشر صوره عند مرحلة عمرية تسمح له بذلك، وفي عمر أقل يجب أخذ موافقة الأب إذا كانت الناشرة هي الأم، والعكس صحيح أيضا.
المستشار والمدرب في شبكات التواصل الاجتماعي، خالد الأحمد، يؤكد أن نشر الصور والفيديوهات باستمرار يعد نوعا من أنواع التنمر على أطفالنا، وذلك سيلحق بهم الأذى وقد يستخدم ضدهم في كثير من الأحيان.
ويبين أن الصور ينبغي أن تؤخذ للذكرى فقط، أو النشر بين أفراد العائلة فقط وليس نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي على الإطلاق، حتى لا يتم جمع كامل المعلومات عن هذا الطفل. والأكثر خطرا، كما يقول، أن التكنولوجيا في تقدم متسارع والذكاء الاصطناعي على الأبواب، وهذا قد يصنف الطفل الذي نشرت عائلته صورا كثيرة عنه؛ بخانة معينة ويتم أخذ انطباع عنه قد يؤثر فيما بعد على فرص عمله أو الاستثمار أو القبول بجامعة معينة بطريقة سلبية.
وتأكيداً لذلك، يبين جهشان أن الصورة إن ترافق أخذها بظروف تشكل مخاطرة على صحة أو حياة الطفل أو كرامته، فهذا يندرج تحت الإهمال وإلحاق الضرر به، ويصنف بمرجعيات الأمم المتحدة بأنه من أشكال العنف. ووفق قانون العقوبات الأردني، نصت المادة 289: "كل من ترك قاصرا لم يكمل الخامسة عشرة من عمره بدون سبب مشروع أو معقول ويؤدي الى تعريض حياته للخطر، أو على وجه يحتمل أن يسبب ضررا مستديما لصحته، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وتكون العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره".
كما نصت المادة 30 من القانون المدني الأردني على أن "الحياة الاعتبارية للإنسان تبدأ بكمال ولادته حيا"؛ أي أن أي اعتداء على طفل مهما صغر عمره هو اعتداء يستوجب العقاب، بمبدأ المادة 62 من القانون المدني "لا ضرر ولا ضرار".