الهوية وجذور الثقافة

يتصاعد الحديث والسجال عن الهوية الأردنية وجذور الثقافة الوطنية، وحول هذين العنوانين نحن أمام مؤتمرين، الأول انتهى أول من أمس، وعقده مركز الثريا للدراسات والبحوث وساهم به باحثون ومثقفون في مختلف التخصصات. والثاني هو المؤتمر الثقافي الوطني الرابع الذي سيعقد أواخر الشهر الجاري وتنظمه الجامعة الأردنية، والمأمول أن تكون الأبحاث جادة.

اضافة اعلان

لست من أنصار التقديم لفكرة مؤتمر، ما لم يكن الأمر معني بمؤسستي الجامعية التي اعمل فيها، والتي أرى أنها مختلفة عن غيرها في التعامل مع هذا الأمر، فلديها اليوم تراكم معرفي من دون انقطاع وإطار مؤسسي لمؤتمراتها، لكن بما أن المؤتمر القادم في الجامعة الأردنية يستهدف إحياء فكرة المؤتمر الثقافي الوطني التي توقفت منذ عام1986، فهي عودة تستحق الاحتفاء، بخاصة حين يكون الموضوع ليس في صلب الثقافة الوطنية فحسب، لا بل في جذورها، وهو جهد يصب ضمن إعادة الروح للجامعة الأردنية والتي تشهد حراكا ثقافيا جيدا الآن.

وصلت الدعوات لكل المؤسسات منذ أكثر من شهرين، والطريف أن البعض ممن لا يقرؤون بريدهم يتذرعون بعدم وصولها. ولكن أطرف ما في الأمر هو رسالة وجهها رئيس جامعة مؤتة إلى رئيس الجامعة الأردنية يعتذر فيها باسم جامعة مؤتة بأن لا احد من أعضاء هيئة التدريس في جامعته أو الباحثين يرغب بالمشاركة في مؤتمر الأردنية!

هي تلك الحالة، تخيلوا لو اعتذر كل رئيس أو مدير مؤسسة عن مشاركة فريق مؤسسته في عمل ثقافي وطني، فما النتيجة، ربما تكون السيادة لفرقة "السامر الكركي" في مؤتة أو فرقة الشيشان الفنية في الجامعة الأردنية أو فرقة الرمثا في جامعة العلوم والتكنولوجيا، أو فرقة معان في جامعة الحسين، هذه الفرق ستتولى الأمر فيما رؤساء الجامعات يقصون أشرطة الافتتاح.

سيمضي مؤتمر الأردنية بتنوعه وثرائه، وسيكون هناك مؤتمر خامس وسادس، وستمضي مؤسسات جامعية أخرى في العمل الثقافي الوطني المسؤول، فيما ستنام جامعات أخرى أملا في حلم أفضل، ينتهي بعودة ميمونة لرئيسها ليكتب عن رحلاته في الصحف.

نعود لمؤتمر "مركز الثريا"  الذي فتح سجالا مهما حول الهوية الأردنية، ففي الأردن يمكن للتاريخ الوثائقي أن يصلنا بشيء عن أنواع الغلال والقيمة المادية لها، ويمكن تقديم وصف مفصل لأحول الريف وأسماء القرى ونموها التدريجي من حيث تحول بعضها من مزارع صغيرة ثم إلى قرى، ثم إلى بلدات كبيرة وصولا إلى تشكل القصبات الحضرية.

نتيجة لجهود بحثية معمقة على الوثائق، وفي التوجيه البحثي، برع  محمد عدنان البخيت في تأطير مفهوم الهوية الأردنية، بدءا من الأزمنة الحديثة، أي من النصف الأول للقرن السادس عشر وحتى العام 1920، ولكن ذلك التأطير لم يكن يختزل المنطقة عن انتمائها العام، أو عن ظروف الإقليم.

يقدم البخيت بحوثا ثرية بالمعلومات القابلة للتحليل والتأويل معا، فهو يرصد التحولات السكانية في الأرياف والنمو السريع للسكان، ويقدم لنا الاقتصاد الفلاحي، وفي جميع الحالات عند الحديث عن هوية أردنية لا مفر من الحديث عن الاقتصاد الفلاحي والبداوة والدور المتعاظم للحواضر أو المدن التي تقدمت بسرعة بفعل ظروف مختلفة ولعبت دورا مهما في تشكل الهوية، لكن دونما إغفال للفلاحة والبداوة.

أخيرا، كان لافتا في مؤتمر الهوية لمركز الثريا، الاستدراك بأنا ربما نكون فشلنا في توجيه البحث الثقافي والانثربولوجي حول الهوية، ونجحنا في الأغنية الوطنية، وأرى هنا أن مادة الأغنية وهي الشعر تستحق التوقف والبحث، والتي اخذ فيها الشاعر حبيب الزيودي دورا لافتا ورئيسا، وباتت تعبر عن الهوية الأردنية بدقة، ويظهر ذلك من خلال التدقيق في المفردات والقيم التي تمسها القصيدة الغنائية.

[email protected]