الوساطة المالية في فلسفة المصارف الإسلامية

لا بد من القول إن الوساطة المالية التي تؤديها المؤسسات المصرفية والمالية ذات أهمية كبيرة لما تقوم به من دور بين وحدات الاقتصاد الوطني وتوفير التمويل اللازم لها من خلال التوسط بين المدخرين؛ أي من يمتلكون رأس المال، والمستثمرين الباحثين عن رأس المال وتوفير رؤوس الأموال المطلوبة لهم، لتمويل استثماراتهم، هذا المفهوم العام وهو فعلا ما تقوم به المؤسسات المالية والمصرفية في دورها الوظيفي. وعندما يكون المقصود في السؤال المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية وهل هي وسيط مالي أم مستثمر؟، فإنه لا بد أن نحتكم الى الفلسفة القائمة عليها أعمال المصرف والمنبثقة عن أحكام الشريعة الإسلامية، بعد أن أصبح هذا موضوعا خلافيا بين المنظرين للصناعة المصرفية الإسلامية ولكل طرف وجهة نظره ويدافع عنها انطلاقا من الفهم الخاص لكل منهم. فالوسيط المالي والمستثمر لكل منهما مفهومه المالي والاقتصادي الخاص به ولكل وظيفته التي يؤديها؛ فالمستثمر عادة هو من يبحث عن الوسيط المالي لتلبية حاجاته التمويلية، أما الوسيط المالي فهو لا يمتلك رأس المال وإنما يعتمد على رأس المال الباحث عن الاستثمار ويعمل على جمعه مثل المدخرات والودائع بموجب ضمانات ومقابل عائد يتفق على صيغته مسبقا ويصبح له حق التصرف في توظيف واستثمار هذه الأموال، مما يمكنه من تلبية حاجة المستثمر من رأس المال اللازم لنشاطه الاستثماري. وللإجابة عن سؤالنا السابق، فلا بد من النظر إلى دور المصارف الإسلامية وتجربتها، مما يؤكد لنا الحاجة الملحة إلى تحديد هذه الوظيفة وإبرازها في محاولة فهم الدور الذي تقوم به المصارف الإسلامية في تنظيم العلاقة السابقة بين من يمتلك رأس المال ومن يبحث عنه، ففي الفقه الإسلامي تصنف العقود المالية إلى قسمين؛ الأول: عقود أمانة، والتي تتحدد فيها مسؤولية الوسيط عن المخاطر التي يتسبب فيها سواء كان مصدرها الإهمال أو سوء الإدارة. والثاني: عقود الضمان، والتي تكون فيها مسؤولية الوسيط كاملة ويتحمل المخاطر كافة مهما كان السبب أو مصدر هذه المخاطر. فحسب هذا التصنيف، يتضح لنا المبدأ الجوهري في عمل المصارف الإسلامية، وهو المشاركة في الربح والخسارة؛ أي المشاركة في مبدأ المخاطرة حسب طبيعة العقد أو الصيغة التي تربط العميل صاحب رأس المال والمصرف والمستثمر؛ فعندما يقوم المصرف الإسلامي بجمع مدخرات الأفراد على أساس عقد الضمان في الحسابات الجارية أو تحت الطلب، فإنها بالنتيجة تشكل تراكما رأسماليا لدى المصرف يمكنه من القيام بتمويل الاستثمارات التي تبحث عن رأس المال على أساس المشاركة في الربح والخسارة، وهنا يتضح لنا دور المصرف كوسيط مالي يتحمل كامل المسؤولية عن ضمان الوديعة وسلامتها، أما في الحالة الثانية وهي الحسابات المتعلقة بالاستثمار والتي يشارك أصحابها المصرف في النتائج؛ أي الربح والخسارة، فهي كذلك تعمل على جمع رؤوس الأموال وإعادة استثمارها لكن على مبدأ عقود الأمانة. أما القول إن المصرف الإسلامي هو تاجر وليس وسيطا ماليا، فالتاجر موضوع عمله هو البيع والشراء ووجود السلعة لديه، وأن الربح هو الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء أو سعر التكلفة وسعر البيع في حالة الإنتاج، أما الوسيط المالي فدوره يختلف بما أنه يلعب دور المنظم بين صاحب رأس المال ومن يبحث عن رأس المال، وأن هذا الدور لا يعني تملك المصرف لرأس المال موضوع الوساطة والمؤتمن على جمعه، بل يقتصر على إدارته ضمن الشروط التي أجازها الإسلام والمتفقة مع أنواع العقود السابقة، وهذا يمثل نموذجا إسلاميا مبنيا على أساس عقود النيابة بأدواته المختلفة مثل المشاركة والمضاربة والوكالة، وليس بمفهوم الوساطة القائمة على الإقراض والاقتراض والمعتمد على سعر الفائدة كما هو في المصارف التقليدية، وأن العلاقة بين المصرف الإسلامي وأصحاب الاستثمارات تكاملية وليست تنافسية. *باحث ومتخصص في التموبل الإسلامياضافة اعلان