الوسواس القهري: صور اقتحامية تدخل الدماغ دون استئذان

الوسواس القهري: صور اقتحامية تدخل الدماغ دون استئذان
الوسواس القهري: صور اقتحامية تدخل الدماغ دون استئذان

 مريم نصر

   عمان – تشعر رانيا رمزي (25 عاما) بالانزعاج من تصرفات والدتها التي ما أن تستيقظ من النوم حتى تبدأ "بتعزيل المنزل" وغسل الاثاث بالمساحيق المعقمة.

اضافة اعلان

   تقول رانيا "كل صباح تقوم والدتي بإخراج أثاث غرف المنزل وتنظيفها وشطفها بمساحيق معقمة وتقوم بنفس العملية في المساء" وتقول أن الأمر لا يتوقف عند ذلك فحسب "والدتي مهووسة بفكرة وجود الجراثيم في كل مكان" وتضيف "انها لا تستريح أبدا حتى تنظف كل ما تقع يدها عليه".

   ولا تدري رانيا ما الذي قاد والدتها لأن تتصرف بمثل هذه التصرفات "أحيانا أجدها تبكي وهي تنظف اشعر بألمها ولكنها ترفض الحديث بالموضوع".

   وتؤمن رانيا بأن والدتها مصابة بمرض الوسواس القهري ويقول الطبيب النفسي د. محمد الحباشنة أن هذا المرض عبارة عن اضطراب يصيب الشخص ويتمثل بوجود أفكار وصور اقتحامية تدخل الدماغ رغما عنه.

   ويقوم الشخص المصاب بهذا المرض بأفعال قهرية لا يستطيع الامتناع عنها نظراً لأن هذه الافعال تخفف من قلقه. ويضيف "هذا القلق يخف لفترة محدودة ثم يعود مرة أخرى ما يستدعي المريض بالوسواس القهري الى تكرار أفعاله بصورة مبالغ بها" ما يؤدي الى اضاعة وقته وخسارته المعنوية والمادية.

   ورغم أن الاطباء يرون أن مرض الوسواس مرض مرهق الا أن مراد مصطفى (موظف30 عاما) يعتبره سلوكا طبيعيا فهو يرى أنه من  السلوك الاعتيادي أن يحافظ المرء على نظافته باستمرار "لا يمكن معرفة من أين يمكن أن تأتيك الجراثيم".

   ويحتفظ مراد بحقيبة في مكتبه تحتوي على قطع من الصابون ومساحيق التعقيم وكحول للتعقيم بالاضافة الى عدد من البشاكير الصغيرة البيضاء التي يستعملها مرة واحدة فقط. ويقول "لا أستطيع ان اسلم على أي شخص دون ان اغسل يدي على الفور كما أنني لا أتحمل أن ارى أية فوضى أو حتى قليلا من الغبار" فهذا كله يشعره باضطراب وقلق على حد قوله.

   ويبين مراد انه لا يشعر بأن افعاله هذه عبارة عن مرض ولكن "أعلم أحيانا أنني ابالغ بالنظافة، الامر الذي يزعج من حولي وخصوصا افراد اسرتي".

   يسبب هذا المرض -كما تبين الاختصاصية النفسية هيلاري ويشناك  من جامعة سينسناتي الاميركية- في دراسة لها على موقعها على الانترنت معاناة كبيرة للمريض ولأسرته، فقد يتسبب هذا المرض بفقدان المصاب لوظيفته وبالتالي دخله وحياته الاجتماعية، وقد لا يستطيع المصاب بسبب اعماله المتكررة في إدارة شؤون المنزل، كما أن الخوف من التلوث والقذارة المبالغ فيه قد يدفع الأسرة الى تغيير المنزل والتنقل بكثرة وفي بعض الحالات قد يؤدي الى العزلة عن المجتمع لان الزوار لا يشجعون على الزيارة خوفا من تلويثهم للمنزل وفي بعض الحالات الشديدة قد يجبر الاطفال على خلع ملابسهم لدى دخولهم باب المنزل خوفا من التلوث وقد يؤدي الجدال حول هذه الأعراض الى الشجار الأسري وربما الطلاق.

   وليست هناك أسباب محددة وراء الاصابة باضطراب الوسواس القهري (مثل أكثر الامراض النفسية والعقلية) الا ان د. الحباشنة يبين أن هناك أسبابا نفسية وأخرى عضوية للإصابة بالمرض "الاسباب العضوية وهي أكثر المسببات شيوعا مرتبطة باضطرابات في موصلات السعادة في الدماغ" وهو مرتبط ايضا باختلالات هرمونية واختلالات الغدد الصماء.

   أما الأسباب النفسية فمرتبطة بعدم الشعور بالأمن والبحث عنه من خلال النظافة والترتيب والشعور بالإثم نتيجة لذنب اقترفه الشخص وسعى لا شعورياً لمعاقبة ذاته.

   ويبين د. الحباشنة أن علاج هذا المرض أمر ممكن فقد وجد إحصائيا أن 25% من الحالات تشفى و50% تتحسن و25% تبقى كما هي أو تتجه نحو الأسوأ. والعلاج يتم بطريقتين حتى نصل الى نتيجة ايجابية الادوية والعلاج السلوكي الذي يتم عن طريق تحديد التصرفات ومنع الاستجابة والتعرض للحالة دون اجراء الفعل القهري وذلك تحت اشراف الطبيب.

   وتقول ويشناك أن الدراسات التي اجريت على طرق العلاج من الوسواس القهري أثبتت أن العلاج السلوكي أن 51% من المرضى تلاشت عندهم الأعراض وأن  39% تحسنوا و10% لم يستفيدوا. وتضيف "تتلخص هذه الطريقة في الطلب من المرضى أن يتعرضوا أو يعرضوا أنفسهم للأشياء التي يخافون منها أو التي يتجنبوها خوفاً من حصول القلق أو الإزعاج أو الاشمئزاز ويجري أيضا منعهم من الاستجابة عن طريق تأجيل عمل الطقوس أو اختصارها أو الامتناع عنها. مثلاً مريض يخاف من الجراثيم يطلب منه أن يصافح ويمسك يد الباب والتليفونات العامة مع إقناعه أو منعه من غسل يديه بعد ذلك.

   وتقدم ويشناك عددا من النصائح للمصابين بهذا المرض وتقول يجب أن يعرف المصاب بالوسواس القهري أنه ليس وحده، وأن هناك واحداً من كل خمسين شخصاً يشعر بنفس الوساوس والأفعال القهرية، وأنه لا داعي للشعور بالذنب، وأن ذلك لا دخل له بالضعف أو الإرادة.

   يجب أن يتعرف المصاب على حالته ويراها كما هي ويدرك أن لا علاقة لها بالجنون الا أن على المصاب أن يقوم بطلب العلاج بنفسه.

يجب أن لا يترك المصاب نفسه ليكون فريسة الوساوس والأفعال القهرية التي تستهلك الوقت والطاقة، ويجب ان يناقش وبكل صراحة ما يمر به مع طبيبه، فهو معتاد على سماع هذه الأشياء ويعرف ماهيتها ولن يتهمه بنقص العقل أو الجنون. أن يهتم بأشياء أخرى غير ما تمليه عليه الوساوس ويلتزم بما يوصيه به الطبيب من إرشادات أو نصائح أو علاج، حتى وإن استغرق ذلك عدة أسابيع، لأنه من المحتمل أن يطول فترة العلاج. 

   وتقول ويشناك يجب أن لا يستسلم المرء لوساوسه وإن ألحت عليه الأفعال القهرية، فكلما استطاع المرء مقاومة العمل بما تملي عليه افكاره، استطاع الانتصارعلى ذلك المرض.