الوسواس القهري..ما الذي يقهره؟

الوسواس القهري..ما الذي يقهره؟
الوسواس القهري..ما الذي يقهره؟

 

عمان -الغد- إن أحاسيس القلق والشكوك والاعتقادات المرتبطة بالتشاؤم والتفاؤل..أمور عادية في حياة كل منا. ولكن عندما تصبح هذه الأمور زائدة عن الحد؛ كأن يستغرق شخص في غسل يديه ساعات وساعات، أو يقوم بأشياء غير ذات معنى على الإطلاق- كأن يقود سيارته مرات ومرات حول منطقة سكنه للتأكد من أن حادثة ما لم تحدث- عندئذ يقوم الأطباء بتشخيص الحالة على أنها حالة وسواس قهري.

اضافة اعلان

الوسواس القهري مرض قديم جداً، ورد ذكره عند قدماء أطباء الإغريق، فيما لم يعرف المرض حديثاً إلا عندما قام طبيب فرنسي اسمه (أسكوريل) بتشخيص مريضة مصابة بمرض الوسواس القهري، وكان ذلك في عام(1838م) وقد وصف بشكل دقيق أعراض الوسواس القهري، رغم أنه لم يطلق على هذا الاضطراب اسم(الوسواس القهري).

يعد اضطراب الوسواس القهري مرضاً سلوكياً عصبياً، يتميز برغبة قوية من الشخص للسيطرة على المحيط الخارجي الذي حوله، وكذلك وجود أفكار مكررة لا يرغبها الشخص تأتي رغماً عنه، حتى بعد محاولته إبعادها والتخلص منها، ويعلم الشخص أن هذه الأفكار هي أفكاره. ويقوم الشخص المصاب بهذا المرض بأفعال معينة قهرا عنه لا يستطيع الامتناع عنها، نظراً لأن هذه الأفعال تخفف قلقه؛إذ يخف هذا القلق لفترة محدودة ثم يعود مرة أخرى؛ مما يستدعي مريض الوسواس القهري إلى تكرار أفعاله بصورة مبالغ بها؛ قد تؤدي إلى إضاعة وقته، وخسارته المعنوية والمادية، إضافة إلى أن بعض الأعمال التي يقوم بها رغما عنه تضر بصاحبها بدنيا؛ مثل كثرة الغسيل لأماكن معينة في الجسم، وربما بمواد مضرة؛ كالمطهرات الكيميائية.

الأعراض والتصرفات السلوكية المرتبطة بمرض الوسواس القهري مختلفة ومتعددة، والشيء الذي يعد مشتركاً بين هذه الأعراض هو السلوك العام غير المرغوب به، أو الأفكار التي تحدث بشكل متكرر عدة مرات في اليوم.

وإذا استمرت الأعراض من دون علاج فقد تتطور إلى درجة تستغرق جميع ساعات الصحو الخاصة بالمريض.

ويمكن تلخيص أعراض الوسواس القهري في أمرين اثنين:

 1- الوساوس: وهي أفكار أو اندفاعات أو خيالات تعرض للمريض رغماً عنه، مع علمه أن هذه الأمور لم تأته من الخارج، وإنما هي أفكاره ومن داخل عقله، وهو يعلم أيضاً أنها غير مقبولة، وتسبب قلقاً وتوتراً شديداً بالنسبة له. لذلك فهو يحاول جاهداً أن يهمل أو يكبت هذه الأفكار والرغبات والخيالات، أو أن يعادلها بأفكار ورغبات أو أفعال مضادة.

2- الأفعال القهرية: وهي أفعال مكررة، مثل:(غسل اليدين، والتأكد من الأشياء)، أو أفعال عقلية، مثل:(العد، وإعادة الكلمات سراً)، ويجد الشخص نفسه مرغماً على فعل هذه الأشياء؛ استجابة لأفكار وسواسية، أو حسب تعليمات صارمة غير قابلة للتفريط تؤدى بصورة نمطية.

أما تفصيلا فيمكن ذكر ما يلي كأمثلة للأعراض والتصرفات التي يقوم بها المصاب بالوسواس القهري: التأكد من الأشياء مرات ومرات، مثل: التأكد من إغلاق الأبواب والأقفال والمواقد. القيام بعمليات الحساب بشكل مستمر أثناء القيام بالأعمال الروتينية. تكرار القيام بشيء ما عدداً معيناً من المرات، ومن ذلك مثلا تكرار عدد مرات الاستحمام.

ترتيب الأشياء بصورة غاية في التنظيم والدقة إلى درجة الوسوسة، أي: ترتيبها بشكل غير ذي معنى لأي شخص سوى المصاب بالوسوسة. الصور التي تظهر في الدماغ وتعلق في الذهن ساعات طويلة، وعادة ما تكون هذه الصور ذات طبيعة مقلقة. الكلمات أو الجمل التي لا معنى لها، والتي تتكرر بشكل مستمر في رأس الشخص، التساؤل بشكل مستمر عن (ماذا لو؟...). تخزين الأشياء التي لا تبدو ذات قيمة كبيرة، كأن يجمع المصاب القطع الصغيرة من الفتل، ونسالة الكتان من مجفف الثياب، ويقوم الشخص عادة بادخار هذه الأشياء في ظل إدراك يقول:(ماذا لو احتجت هذه الأشياء في يوم ما؟)، أو أنه لا يستطيع أن يقرر ما الذي يتخلى عنه! الخوف الزائد عن الحد من العدوى بالمرض، وقد يترتب عليه عدم الترحيب بمصافحة الآخرين، الخشية من التلوّث، ومن مظاهرها:(الامتناع عن دخول الأبنية القديمة)مثلاً.

ليس للإصابة بمرض الوسواس القهري-كأكثر الأمراض النفسية والعقلية–أسباب محددة، ولكن ربما يكون للوراثة دور رئيسي في الإصابة بهذا المرض.إلا أن الأبحاث تشير إلى أن مرض الوسواس القهري يتضمن مشكلات في الاتصال بين الجزء الأمامي من المخ(المسؤول عن الإحساس بالخوف والخطر)والتركيبات الأكثر عمقاً للدماغ(العقد العصبية القاعدية التي تتحكم في قدرة المرء على البدء والتوقف عن الأفكار)، التي تستخدم الناقل العصبي الكيميائي(السيروتونين)، حيث يُعتقد أن مرض الوسواس القهري يرتبط بنقص في مستوى(السيروتونين) بشكل أساسي.

ويعتقد المحللون النفسيون أن هذا الاضطراب يحدث في(المرحلة الشرجية) وهي إحدى مراحل النمو وتكوين الشخصية الفردية، حيث تظهر فيها قسوة رقابة الـ"أنا" العليا للفرد على نفسه، ولكن هذه النظريات لم تثبت صحتها.

يمكن أن يبدأ مرض الوسواس القهري في أي سن؛ بداية من مرحلة ما قبل المدرسة وحتى سن النضج الذي يبدأ عادة في سن الأربعين. ويلاحظ أن حوالي نصف المصابين بمرض الوسواس القهري كانت بداية حالتهم في مرحلة الطفولة، ولكن للأسف لم يتم تشخيص حالتهم في وقت مبكر؛ ففي المتوسط يذهب مرضى الوسواس القهري إلى ثلاثة أو أربعة أطباء، ويقضون أكثر من تسعة أعوام وهم يسعون للعلاج؛ قبل أن يتم تشخيص حالتهم بشكل صحيح. وقد وجدت الدراسات كذلك أنه في المتوسط يمر 17 عاماً منذ بداية المرض قبل أن يتلقى الأشخاص المصابون بالوسواس القهري العلاج الصحيح.

ومن أسباب عدم تشخيص مرض الوسواس القهري وبالتالي عدم حصول المريض على العلاج المناسب:تكتم الأشخاص المصابين بمرض الوسواس القهري على مرضهم، عدم وعيهم لما يعانون من مرض، عدم معرفة العديد من الأطباء الكثير عن أعراض الوسواس القهري، أو قد يكونون غير مدربين على توفير العلاج المناسب، عدم إتاحة فرص العلاج لبعض الناس.

هناك أربعة أمور مهمة لا بد من مراعاتها في العلاج: إعلام الشخص المصاب بأنه مصاب بالمرض، والتحدث مع المختصين في مجال الطب النفسي لتشخيص المرض بالطريقة الصحيحة. تعريف أهل المريض بالمرض؛ لمراعاة المريض والاهتمام به بالشكل الصحيح، وحضه على عدم اليأس والاستسلام. متابعة المريض العلاج النفسي السلوكي لمقاومة المرض. تناول المريض الدواء كاملا وعدم تركه إلى النهاية إذا ما وصف له(خصوصاً أن بعض أدوية مرض الوسواس القهري تتطلب على الأقل(6) أسابيع قبل أن تعمل بالشكل الصحيح).

وتوجد أنواع متعددة من الأساليب العلاجية لهذا المرض، وهي: العلاج النفسي:وينقسم إلى نوعين الأول: العلاج التعزيزي؛ حيث يحتاج المريض إلى التشجيع، وإلى الإحساس بوجود من يستمع إليه، ويتفهم شكواه، ويطمئنه ويواسيه.

الثاني: التحليل النفسي؛ ويهدف إلى الكشف عن المعنى الرمزي للأعراض، حيث يظهر أنها نتيجة النشاط الزائد للضمير الذي يحاول- عن طريق الطقوس السحرية المتسلطة- حماية الذات من القلق.

أما العلاج السلوكي: من خلال أسلوبين: الأول: التعريض مع منع الاستجابة، ومثال ذلك: في حالات الخوف من القذارة المصحوب بالإفراط في غسل الأيدي يُعرض المريض للمنبهات المثيرة لقلقه، ولكن يمنع من القيام بغسل يديه. المحاكاة حيث يقوم المعالج بدور النموذج الذي يمكن محاكاته وتقليده يلمس المعالج الأشياء التي يخشاها المريض.

العلاج الدوائي يشمل: المهدئات في حالة الأزمات. ومضادات الاكتئاب: وتستخدم في حالة وجود أعراض اكتئابية.

العلاج الجراحي: يحدث في حالات شديدة الوسواس ونادرة الحدوث، ويقوم الطبيب بقطع الألياف العصبية الموصلة بين الفص الجبهي في المخ والثلاموس، ولا ينصح بإجراء هذه العمليات إلا بشروط، هي: أن يكون للحالة تاريخ مرضي طويل، استخدمت خلاله العلاجات السابقة ولم تنجح. عدم القدرة على مسايرة الحياة والتأقلم مع المجتمع. يجب التأكد من أن المرض وراثي، أي موجود في تاريخ العائلة. هذه العمليات لا تلغي الوسواس، ولكنها تخفف من شدة التوتر والقلق.

تجدر الإشارة إلى أن هناك من يشير إلى أهمية العلاج الروحي وقوة تأثيره في الحد من هذا المرض.

وأخيراً؛يجب على المريض بالوسواس القهري أن يتبع الأمور التالية: مقاومة الأفكار؛ بألا يلقي لها أية أهمية. إشغال نفسه بأي عمل هام. استخدام المرونة في حياته بقدر الاستطاعة. محاولة تغيير المكان أو العمل إذا كان من مسببات الوسواس. الاسترخاء وعدم التوتر والشعور بالقلق الدائم. الثقة في أن لكل داء دواء.