الوشيك الغامض: السياسة الأميركية، القوة الوقائية وقاسم سليماني

Untitled-1
Untitled-1
ترجمة: علاء الدين أبو زينة بينوي كامبارك* – (أورينتال ريفيو) 13/1/2020 تتميز العلاقات الدولية بغموضها في التعريف وضحالتها في التبرير. وسواء كان ذلك لحماية مواطني دولة في دولة أخرى، أو شن ضربة وقائية لمنع ما قد تفعله دولة أخرى، أو ببساطة فهم تطبيق بند في معاهدة، يمكن أن تكون المبررات غير متكافئة ومتناقضة تماماً. كانت الضربة الوقائية التي أسفرت عن مقتل اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، واحدة من هذه المناسبات. (تبين أن هناك جهداً آخر، فشل كما اتضح فيما بعد، لاغتيال القائد في قوة القدس عبد الرضا شهلائي). ومن المفترض أن العناصر التي تقف وراء غارة الطائرة من دون طيار واضحة: كان القائد الذي رحل الآن للذراع التنفيذي لقوة القدس يخطط لشن هجمات على جنود الولايات المتحدة ومصالحها. وكان، على أي حال، قد قتل العديد من الأفراد الأميركيين من قبل. ولذلك، يمكن النظر إلى الهجوم على أنه قراءة مُغامِرة ومتقدمة لمبدأ الدفاع عن النفس، من النوع الذي يصفه النادي القانوني بأنه "دفاع استباقي عن النفس". تجيز المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة ضد دولة أخرى مع الالتزام بشرطين. يجب الحصول على إذن من مجلس الأمن باستخدام القوة لصيانة أو استعادة السلام والأمن الدوليين. ويمنح الجزء الثاني من الحكم الشرعية لاستخدام القوة عندما تمارس الدولة حقها المعترف به في الدفاع الفردي أو الجماعي عن النفس. لكن حدود هذا الجزء الأخير غالبا ما تكون غير واضحة، وهي تشمل العمل العسكري "الوقائي" والعمل العسكري "الاستباقي"، حيث يركز الأول على استهداف اكتساب العدو القدرة على الهجوم، بينما يركز الأخير على إحباط هجوم وشيك سيشنه العدو. لجأت كل من الولايات المتحدة وإيران حسب الأصول إلى نص المادة 51 في قضية مقتل سليماني. فقد ادعت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، أن الضربة جاءت ردا على "سلسلة متصاعدة من الهجمات المسلحة في الأشهر الأخيرة"، والتي شنتها إيران وعملاؤها على الأفراد والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط "من أجل ردع جمهورية إيران الإسلامية عن شن أو دعم شن المزيد من الهجمات ضد الولايات المتحدة أو المصالح الأميركية". وكان الغرض الإضافي للهجوم هو "إضعاف قدرة الميليشيات التي تدعمها جمهورية إيران الإسلامية وقوة القدس التابعة للحرس الثوري الإسلامي على شن هجمات". ورد السفير الإيراني ماجد تاخت رافانشي برسالة مضادة إلى الأمم المتحدة بعد ذلك، والتي برر فيها ما فعلته إيران في 8 كانون الثاني (يناير) في ردها الانتقامي لمقتل سليماني ضد قاعدة جوية أميركية في العراق. وقد اعتُبرت الضربات الانتقامية "مُعايَرة ومتناسبة" و"دقيقة وموجهة"، ولم تخلف "أي أضرار جانبية على المدنيين والأصول المدنية في المنطقة". على الرغم من كل الحشو المعروض، يمكن اعتبار مقتل سليماني إرثًا لقراءة ضعيفة وغير مستقرة لفكرة الدفاع عن النفس التي تطرحها الولايات المتحدة منذ العام 2001. وقد قدم صناع السياسة الأميركية حصتهم في مفاقمة الغموض الهائل لفكرة الدفاع الاستباقي عن الذات منذ احتل الرئيس جورج دبليو بوش البيت الأبيض. وأظهرت استراتيجية الأمن القومي الأميركية للعام 2002، متبوعة بنسختها المعدلة في العام 2006، ذلك الارتباك الذي يأتي مع الثقة الإمبريالية المفرطة بالحق في ملاحقة الأعداء. وتفقد الأعمال الاستباقية والوقائية التمييز بينها عندما يبحث القائمون على الصياغة عن استخدامات مشروعة للقوة ضد عدو شبحي يفضل اللعب وفقا لقواعد مختلفة. تعترف استراتيجة الأمن القومي للعام 2002 بأن قرونا من القانون الدولي "اعترفت بأن الدول لا تحتاج إلى أن تعاني من الهجوم قبل أن تتمكن قانونياً من اتخاذ إجراء للدفاع عن نفسها ضد القوات التي تشكل خطراً وشيكاً لهجوم". لكن النطاق أعطِي اتساعاً جيداً. فقد "احتفظت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة بخيار اتخاذ الإجراءات والأعمال الوقائية لمواجهة تهديد كافٍ لأمننا القومي. وكلما زاد حجم التهديد، زاد خطر عدم اتخاذ إجراء -وأصبحت قضية اتخاذ إجراء استباقي للدفاع عن أنفسنا أكثر إلزاما، حتى لو كان عدم اليقين قائماً في ما يتعلق بتوقيت ومكان هجوم العدو". كان تبني مثل هذه القراءة العريضة للضربة الاستباقية مشروطًا "بالقدرات والظروف الموضوعية لخصوم اليوم. فالدول المارقة والإرهابيون لا يسعون إلى مهاجمتنا باستخدام الوسائل التقليدية". وهكذا، يكون الأمر كما يلي: إن العدو يُلزمنا بضبط وتعديل ونبذ الاتفاقيات والمعاهدات. وقد جسدت قيادة الطائرات المدنية إلى البرجين التوأمين في نيويورك في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 مثل هذا النوع من الهجوم غير التقليدي. صرحت استراتيجية الأمن القومي للعام 2006 بشكل قاطع بأن "مكان العمل الاستباقي في إستراتيجية الأمن القومي لدينا ما يزال هو نفسه" على الرغم من الإقرار بأنه "لا ينبغي لأي بلد أن يستخدم فكرة الاستباقية كذريعة للعدوان". وسوف يتم استخدام هذه القوة بعد "وزن عواقب أفعالنا. وسوف تكون أسباب أعمالنا واضحة، والقوة معايرة، والقضية عادلة". وبعد أربع سنوات لاحقاً، في عهد إدارة أوباما، لم يتحسن الموقف كثيراً، وظلت الفوضى قائمة. أعاد قتل قائد إيراني كبير في ظروف يمكن اعتبارها بالكاد ظروف اشتباك إحياء تلك اللازمة القيمة المملة عن التهديد الوشيك. وعندما تم الضغط على وزير الخارجية الأميركي مايك بومبو لتحديد طبيعة هذا الخطر الوشيك في مؤتمر صحفي، تجسد ذلك التشابك القديم بوضوح في التفسيرات. وكان أحد الأسئلة كما يلي: "سيدي الوزير، قالت الإدارة أن هذه الضربة كانت تستند إلى تهديد وشيك، لكنك قلت هذا الصباح أننا لم نكن نعرف على وجه الدقة متى ولم نكن نعرف بالضبط أين. وهذا ليس تعريف الـ‘وشيك’". ولم يكن بومبيو مفيداً بالضبط في هذا الصدد، حيث لجأ إلى التملص الخطابي الكلاسيكي. وقال: "كانت لدينا معلومات محددة عن تهديد وشيك، وشملت تلك التهديدات شن هجمات على السفارات الأميركية. نقطة". واعترف بعدم وجود معرفة دقيقة للغاية، حول "أي يوم كان سيتم تنفيذ الهجوم فيه. لا أعرف بالضبط في أي دقيقة. لكن الأدلة كانت سليمة بما يكفي: سليماني" كان يخطط لهجوم واسع النطاق ضد المصالح الأميركية. وكانت تلك الهجمات وشيكة". وفي كل مرة كان يواجِه فيها بسؤال يطلب التوضيح، كان بومبيو يرتبك. في حالة عدم اتخاذ أي إجراء لتعطيل جهود سليماني، كانت إدارة ترامب ستُعتبر "مهملة بشكل جسيم" بعدم تقديم توصية للرئيس "باتخاذ إجراء". من جانبه، أعطى الرئيس دونالد ترامب انطباعاً بوجود مبرر واضح. وقال لمحطة فوكس نيوز: "يمكنني الكشف عن أنني أعتقد بأنها كانت ستكون أربع سفارات". واقترح أمام حشد لحملته الانتخابية في أوهايو أن سليماني كان "يخطط بنشاط لشن هجوم جديد، وكان ينظر بشكل جدي إلى سفاراتنا، وليس فقط السفارة في بغداد". *نشر هذا المقال تحت عنوان: Vague Imminence: US Policy, Pre-emptive Force And Qasem Soleimani *كان باحثاً في شؤون الكومنويلث في كلية سيلوين، كيمبردج. وهو يحاضر الآن في معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا. [email protected]اضافة اعلان