الولائم والصيام والمجاعة: الحكومات العربية قلقة بشأن الأمن الغذائي

سيدات يحضرن طعام الإفطار في رمضان - (المصدر)
سيدات يحضرن طعام الإفطار في رمضان - (المصدر)
تقرير خاص - (مجلة الإيكونوميست) 17/4/2021 دبي- شهر رمضان، الذي بدأ عند غروب الشمس يوم 12 نيسان (أبريل) في معظم أنحاء العالم، هو شهر الصيام والولائم في العالم العربي، حيث تخلي أيام ضبط النفس الطويلة مكانها للوجبات الكبيرة بعد غروب الشمس. وقد تقلصت الاحتفالات بشهر الصيام في العام الماضي بسبب جائحة "كوفيد -19". ومع تخفيف القيود الآن في بعض الدول العربية، تتطلع العائلات إلى مناسبة أكثر احتفالية. ومع ذلك، سيكافح الكثيرون من أجل وضع الطعام على المائدة. يقدر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أن 960 مليون شخص لا يحصلون على ما يكفي من الغذاء ليكونوا أصحاء. وينتشر حوالي 64 مليوناً منهم في 12 دولة عربية. ويعني هذا واحداً من كل ستة عرب. وقد جعلت الحروب والأزمات الاقتصادية من الجوع حقيقة مزمنة في الحياة بالنسبة للبعض. وحتى الحكومات المستقرة يساورها القلق بشأن تأثير ارتفاع أسعار الغذاء العالمية. تتجلى حدة المشكلة أكثر ما يكون في سورية واليمن، حيث يعاني حوالي نصف السكان الجوع. وكانت سلة المواد الغذائية الأساسية في سورية -الخبز، والأرز، والعدس، والزيت والسكر- أغلى بنسبة 222 في المائة في شباط (فبراير) مقارنة بما كانت عليه قبل عام. وهي تكلف الآن أكثر من ضعف الراتب الشهري لعامل حكومي عادي. وفي اليمن، تحذر الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة. وقد خفضت وكالات الإغاثة الحصص الغذائية بسبب شح الميزانيات. وأدى نقص الوقود في كلا البلدين إلى تحليق الأسعار. وكانت اللحوم من الأساس ترفاً لا يمكن تحمل كلفته بالنسبة للعديد من السوريين. ويصبح حال منتجات الألبان والفاكهة الشيء نفسه بسرعة. والخبز، الذي يشكل أرخص مصدر للسعرات الحرارية، لم يعد مرفقًا بالوجبة الرئيسية في الكثير من الأحيان -لقد أصبح وجبة في حد ذاته. ومع ذلك، قد يستغرق الأمر ساعات من الاصطفاف في طابور للحصول على الخبز المدعوم من الحكومة. وكانت سورية تزرع قبل الحرب ما يكفي من القمح لتلبية احتياجاتها. وقد استخدمت دراسة نشرتها العام الماضي جامعة هومبولت في برلين بيانات مستخلصة من صور الأقمار الصناعية، والتي وجدت أن البلد فقد 943 ألف هكتار من الأراضي المزروعة (في ما شكل انخفاضاً بنسبة 20 في المائة تقريبًا) بين العامين 2010 و2018. وتتصارع دول أخرى مع تحديات جديدة. في العام الماضي في لبنان، كان طبق الفتوش، وهو سلطة خضار مغطاة بالخبز المحمص، يكلف نحو 6.000 ليرة (4 دولارات) لأسرة مكونة من خمسة أفراد. ومنذ ذلك الحين تسببت الأزمة المالية في خسارة العملة اللبنانية حوالي 90 في المائة من قيمتها. وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 417 في المائة في العام الماضي. وعلى الرغم من أن الكثير من المواد الغذائية اللبنانية يتم استيرادها من الخارج، إلا أن المنتجات المحلية أصبحت أكثر تكلفة أيضًا. وقد أصبح طبق الفتوش نفسه يكلف الآن أكثر من 18.000 ليرة. ولتقديم وجبة إفطار رمضاني بسيطة -حساء، سلطة، وطبق رئيسي بالدجاج- ستصل كلفة كل ليلة من رمضان إلى ضعفين ونصف ضعف الحد الأدنى للأجور الشهري البالغ 675 ألف ليرة، حسب تقديرات الجامعة الأميركية في بيروت. وقد شهدت محلات السوبرماركت شجارات بسبب المواد الأساسية المدعومة من الحكومة، مثل زيت الطهي الذي توزعه بعض المتاجر الآن تحت حراسة مسلحة. وفي 13 نيسان (أبريل)، لقي رجل مصرعه في شجار بسبب الطعام. في كانون الثاني (يناير)، تنبأ بنك غولدمان ساكس ببدء "دورة فائقة" للسلع، مع ارتفاع الطلب الناتج عن تخفيف القيود الوبائية ووجود دولار أضعف. ويشكل ذلك مصدر قلق رئيسيا في مصر، التي تستورد ما يقرب من 13 مليون طن من القمح سنويًا من أجل الخبز المدعوم. وتعتمد الميزانية على متوسط سعر يبلغ حوالي 200 دولار للطن الواحد. وفي وقت سابق من هذا العام، كانت الأسعار تحوم حول 240 دولارًا، في ما يرجع جزئيًا إلى ضرائب الصادرات الجديدة في روسيا. وقال وزير المالية المصري إن الحكومة قد تبدأ في التحوط في عقودها لشراء القمح لحمايتها من الزيادات المستقبلية. كما ارتفعت أسعار الأرز، وهو عنصر غذائي أساسي آخر، إلى أعلى مستوياتها منذ أعوام. أدى ضعف الطلب في مصر إلى إبقاء التضخم منخفضًا حتى الآن: ظلت أسعار المواد الغذائية ثابتة أو انخفضت في الأشهر الأخيرة. لكنها قد تبدأ في الصعود في وقت لاحق من هذا العام. وسوف تتسبب حتى زيادة صغيرة بالألم؛ حيث يعيش ثلث المصريين على أقل من 736 جنيها (47 دولاراً) في الشهر. وقد ارتفع مؤشر أسعار الغذاء العالمي للأمم المتحدة على مدى عشرة أشهر متتالية، ووصل في آذار (مارس) إلى أعلى مستوى له منذ منتصف العام 2014. وتشكل أسعار المواد الغذائية السبب الرئيسي للتضخم في المملكة العربية السعودية. وقد ارتفعت الأسعار هناك بنسبة 11 في المائة في شباط (فبراير). وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي واحدة من أغنى دول العالم، ينفق المواطنون الأثرياء والمغتربون بسعادة 100 دولار للفرد على بوفيهات رمضان. ومع ذلك، حتى هناك ناقش الوزراء فكرة السيطرة على أسعار المواد الغذائية وتحديدها. وبدأت الإمارات العربية المتحدة في زراعة طعامها في الصحراء –حيث تزرع كل شيء، من الطماطم إلى الكينوا- لكنها ما تزال تستورد 90 في المائة مما تأكله. ومع عملة مربوطة بالدولار، كما هو الحال في معظم دول الخليج، فإن ضعف الدولار يعني ارتفاع الأسعار في السوبرماركت. وقد طُلب من البقالين تقديم خصومات خلال شهر رمضان. وهذا ترف يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة تحمُّله. لكن الأعوام المقبلة ربما تكون، في أماكن أخرى من المنطقة، أعواما عجافاً. *نشر هذا التقرير تحت عنوان: Feast, fast and famine: Arab governments are worried about food securityاضافة اعلان