انتشار الدروس الخصوصية: خلل في النظام التعليمي أم اتكالية في عقلية الطلاب؟

انتشار الدروس الخصوصية: خلل في النظام التعليمي أم اتكالية في عقلية الطلاب؟
انتشار الدروس الخصوصية: خلل في النظام التعليمي أم اتكالية في عقلية الطلاب؟

         جمانة مصطفى

   عمان - إذا كانت الدروس الخصوصية هي طوق النجاة لطلاب الثانوية العامة، فإن المدرس الخصوصي هنا هو المنقذ الذي يعترف له الكثير من الجامعيين بالفضل.

اضافة اعلان

يستعين طالب التوجيهي محمود النتشة والذي لم يكمل ربيعه الثامن عشر بالدروس الخصوصية كمعظم أبناء جيله، ويجزم محمود أنه "لا يفهم أي من هذه المواد في المدرسة، لذلك يفضل قضاء الوقت في النوم داخل الفصل"، ويقول: "لا أحب الدراسة لكنني أريد النجاح في التوجيهي والالتحاق بالجامعة"، الدروس الخصوصية هي الحل الوحيد إذا.

وفي مقارنة سريعة تنجح أمل عبد الهادي في مرحلة الثانوية العامة دون الاستعانة بأي أستاذ خصوصي، وهي ابنة المدرسة الحكومية، ويأتي ترتيبها ضمن العشرة الأوائل في منطقتها مما يؤهلها للحصول على بعثة ودخول الجامعة بالتخصص الذي أرادته.

أمل التي تمثل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة ولا يلغيها، فمن المستغرب هنا أن الطلاب من المدارس الخاصة والحكومية على حد سواء يلجؤون إلى الدروس الخصوصية، على الأقل في مرحلة الثانوية العامة، ويتسائل وليد السيد عن مدى عدالة أن يضطر لأن يدفع بالإضافة إلى المبلغ الذي يقارب ألف دينار في الفصل الواحد، ثمن الساعات الدراسية الإضافية التي يتقضاها الأستاذ الخصوصي، فبرأيه "أن الاقتدار المادي لا يأتي بسهولة، وما المعنى أن تدفع المبالغ الطائلة لمدرسة خاصة إذا كانوا سيحتاجون لمدرس خصوصي في الثانوية العامة في كل الأحوال"، ويؤكد السيد أن تفكيره هذا "ليس من باب البخل" لكنه يعتقد "أن على المدرسة التي تكلف ولي الأمر ألفي دينار في السنة الدراسية الواحدة أن تقدم لطلابها أكثر من اللهو والرحلات، ونوعية من التأسيس تغنيهم عن الدروس الخصوصية"، الأمر الذي دفع به لتأسيس أولاده وبناته في مدارس خاصة ونقلهم لاحقا إلى مدارس حكومية.

   وتجزم المعلمة الخصوصية رنا اليوسفي أن الأمر غير مرتبط بمستوى دخل الأسرة بقدر ارتباطه باهتمام الأسرة بأبنائها، تقول: "الكثيرين يحبون تحسين مستوى أطفالهم في اللغة الانجليزية وهي المادة التي أدرسها، بعض العائلات تضغط نفسها ماديا من أجل أن توفر لأبنائها هذه الساعات الدراسية الإضافية".

وتشير رنا إلى أن الدوافع تختلف أحيانا من أسرة لأسرة إلا أن جميع الأسر تشترك في اهتمامها برفع مستوى أبنائها: "بعض الأسر التي لم تتوفر لأحد الوالدين فيها فرصة جيدة للتعليم تحب أن توفر أكبر قدر من التعليم لأبنائها، وهناك بعض الأهل أكسل من أن يجلسوا بشكل يومي مع أبنائهم ليعلموهم".

وتتحدث خبرة ثلاثين عاما في قطاع التعليم على لسان الأستاذ فارس حواري الذي يؤكد أن جميع الطلاب من كافة المدارس يلجأون لهذه الدروس الإضافية، بسبب "الخلل في المناهج والانهيار الذي يعاني منه النظام التعليمي في الأردن"، ويشير حواري إلى أن أحد أهم الأسباب وراء هذه الظاهرة هو "عدم وجود معلمين على كفاءة عالية ومؤهلين بما يعوض الطالب عن اللجوء إلى الدروس الإضافية".

كما يشير إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الأسباب الأخرى كأن يكون المعلم ذا شخصية ضعيفة، ناهيك عن عدم وجود نصاب كاف من الساعات الدراسية لتغطية المادة الضخمة التي توضع بين يدي الطالب"، هذا في العموم أما في المدارس الحكومية تحديدا فيزداد الطين بلة "بوجود  من أربعين إلى خمسين طالب في الفصل الدراسي الواحد، الأمر لا يترك لأي منهم فرصة للسؤال أو الاستفسار، فتكون حصة كل منهم من انتباه الأستاذ أقل من دقيقة واحدة".

كما ينوه حواري الذي خرج أكثر من مئتي ألف طالب من خلال المدارس التي أدارها والمعاهد والدروس الخصوصية، ينوه أن الكثير من الأهل يشغلون أبناءهم بهذه الدروس حتى من المراحل الأساسية، كونها أمست موضة نتيجة انشغال الأم والأب بالعمل خارج المنزل". 

الدروس الخصوصية أمست حاجة أساسية اليوم سواء رضينا أم قبلنا، وقد خرجت من نطاق الاستثناء أو الكماليات... هذا على الأقل ما يجمع عليه طلاب وطالبات الجامعة خصوصا من رسب منهم في الثانوية العامة واضطر لتقديم الامتحانات غير مرة. إلا أن التشخيص يختلف مع طلاب المرحلة الأساسية ربما ليس بحسب حاجة الطالب لرفع مستواه الأكاديمي، بل لتساهل المدرسة وتعاطفها مع طلابها إلى أن يصلوا إلى الاختبار الحقيقي لقدراتهم في التوجيهي، فنجدهم جميعا على طاولات المدرسين الخصوصيين أو المعاهد على الأقل.

والسؤال هنا هو هل تعطي الدروس الخصوصية الطالب قاعدة تعليمية تمكنه من الاعتماد على نفسه لاحقا أم أنها أشبه بالجرعات التي تنتهي بانتهاء المادة الدراسية والنجاح فيها؟ تجيب على هذا السؤال هيام الحلبي المعلمة الخصوصية منذ  12 عاما، تقول: "بعد سنوات من الخبرة في التعليم وإعطاء الدروس الخصوصية أعرف أن كثيرا من العبء الأخلاقي يقع على عاتق المعلم، فبامكاني كمعلمة أن أعطي المادة خلال حصة واحدة، أو من خلال عشرين حصة، وأن ينجح الطالب في الحالتين، فالأمر برأيي يعود لذمة الأستاذ".

لكن د. سلمى الأم لثلاثة أبناء من عمر ستة عشرة إلى عشرين عاما تلوم الآباء والأمهات شاملة نفسها بهذا اللوم، وتؤكد أن تربيتها لأولادها اختلفت عن تربية والدها لها ولأخوانها الذين تخرج العديد منهم ضمن أوائل المملكة وحققوا نجاحات مهنية وأكاديمية، تقول: "ألوم الآباء والأمهات، أبي كان يتأكد دائما من قيامنا بواجباتنا المدرسية عن طريق المراقبة غير المباشرة، الآن عرفت أنها غير مباشرة، وبرغم أن أولادي جميعا احتاجو للدروس الخصوصية إلا أنني كنت أخاف حين يأتي والدي أثناء هذه الدروس لأنه يرفضها تماما"، وتزيد د. سلمى أن هذا الجيل يعيش وسط عالم من المغريات التي تشد انتباهه عن دروسه الأمر الذي يجعل من الدروس الخصوصية الزاما لا مفر منه للأهل ممن يسعون لإلحاق أبنائهم بالجامعة".

   اللوم إلى هذه اللحظة وجه إلى النظام التعليمي، الأساتذة في المدارس والأباء والأمهات، الأمر الذي اعفى الطلاب من كامل المسؤولية عن حاجتهم لهذه الدروس، إلا أن رجلا يقف على أبواب الستين له وجهة نظر مغايرة، ويجري أبو عصمت مقارنة سريعة يخلص منها إلى أن الجيل الجديد لا يأخذ تعليمه وكتبه بجدية لأن الظروف من حوله لم تشعره بالحاجة إلى صنع التغيير كما شعر جيله هو، يقول: "كنا ندرس في الشارع على ضوء العامود، ونحمل كتبنا ونستيقظ مع الفجر لنذهب إلى المدرسة من قرية لقرية، وأذكر أن أستاذ اللغة العربية كان يعطينا واجبات مدرسية ضخمة لنحفظها، فقد حفظت ألفية ابن مالك وأنا ابن الثانية عشرة، ونجحنا وكبرنا وسافرنا وأصبحنا رجال أعمال ومفكرين وتجار، واستطعنا أن نوفر لأبنائنا ما لم توفره لنا الظروف السائدة، لنجدهم يتذمرون من لا شيء مقارنة مع ما مررنا به، برأيي المشكلة ليست في نظام التدريس فقد مررنا بأصعب، المشكلة أن هذا الجيل يملك عقلية اتكالية وأنهم لم يعرفو الأسوأ ليتعايشوا بما لديهم".