"بئر الحداثة": كتاب يتحدث عن ريادة جبرا في توظيف الموسيقى داخل العمل الأدبي

غلاف الكتاب - (الغد)
غلاف الكتاب - (الغد)

عزيزة علي

عمان - يؤكد سمير فوزي حاج في كتاب "بئر الحداثة الموسيقى والرمز في أدب جبرا إبراهيم جبرا" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ريادة جبرا في توظيف الموسيقى داخل العمل الروائي والقصصي، بدأ من "صراخ في ليل طويل" في العام 1955، المكتوبة باللغة الانجليزية في العام 1946.اضافة اعلان
ويرى أن روايتي "السفينة، والبحث عن وليد مسعود" تمثلان نموذجا طليعيا رياديا ناجحا لكتابة الرواية الموسيقية في الأدب، ويؤكد في مقدمة الكتاب أنه تبع ما طرأ من تحديث في اعمال جبرا الروائية والقصصية ومواكبتها للنهضة العربية، من حيث توظيف تقنيات السرد الجديدة والأصوات المتعددة وتيار الوعي، مشيرا إلى توظيف جبرا للتناص الموسيقي والديني "المسيحي" في نصوصه.
ويبين حاج تأثير الغرب الذي أدى الى ظهور اشكال كتابة جديدة في الادب العربي، وكانت الرواية من اكثر الفنون تأثرا، فقد حلت البوليفونية محل المونوفونية، وتداخلت اجناس الفن داخل العمل الروائي الواحد، فانهارت الثوابت والفواصل بينها، ونتجت عن ذلك مصطلحات وتسميات جديدة من قبيل "مسرحة الرواية"، "شعرية الرواية"، "تشعير النثر"، وغيرها من هذه المصطلحات.
ويعتقد المؤلف انه بعد نشر كتاب "الغصن الذهبي The Golden Bough" لجيمس فويزر، اتجه الروائيون العرب الى تقليد كتاب الغرب في استخدام الأساطير والرموز الدينية المسيحية في اعمالهم، بهدف اضاءة النص واثرائه، اذ وظفت في مساقات اجتماعية وسياسية، بعد ان افرغت من مضمونها الاسطوري والديني.
وأوضح حاج أن التجريب في القصة والرواية العربية، التي تأثرت بالرواية الغربية، خطا بها نحو التجديد والانفتاح واكسبها صبغة العولمة والمثاقفة، حيث تبودلت المعارف والثقافات بين الشعوب، من خلال توظيف الأساطير والرموز الدينية وأجناس الفن خاصة الموسيقى.
ويؤكد أن ثقافة جبرا الغربية، وترجماته لأعمال روائية ومسرحية ونقدية غربية: ساهمت في حديث اعماله الروائية والقصصية خاصة السفينة والبحث عن وليد مسعود وبدايات من حرف الياء وقصص اخرى التي تعد من ارهاصات الحداثة الغربية، ونموذجا ناجحا لتجلياتها الفنية والجمالية، من حيث توظيف الاوبرات الموسيقية والرموز المسيحية.
يسعى حاج كما قال إلى الكشف عن تجليات الحداثة الغربية والرموز المسيحية واستقرائها في الاعمال القصصية لجبرا، وتتبع تأثره بالأدب الغربي ودراسته خاصة الإنجليزي ودراسته الثانوية في الكلية العربية في القدس، وترجماته لـ "26 عملا ادبيا غربيا" في الرواية والمسرحية والقصة والنقد.
ويضيف المؤلف انه يطمح الى إبراز تعالق نصوص جبرا، على المستويين الدلالي والشكلي، مع اعمال غربية ممثلة ببولسيس وأهالي دبلن وصورة الفنان في شبابه لجيمس جويس، والعاصفة لشكسبير، والاوديسة لهوميروس، والكتاب المقدس، العهد الجديد من خلال دراسة مقارنة وتحليلية للنصوص الواردة في هذه الاعمال وتبيان التناص الموسيقي والمسيحي فيها.
ويؤكد حاج انه يهدف من الكتاب الى استقصاء جذور الحداثة الغربية ومؤثراتها وتجلياتها في اعمال جبرا الروائية والقصصية، لكونها نموذجا جيدا وناجحا في الانفتاح والتجديد والتجريب للرواية العربية الحديثة. وذلك من خلال دراسة نصوصه ومقارنتها بنصوص غربية اثرت فيها وأثرتها.
ويلفت إلى رصد تأثير المنهاج التعليمي في الكلية العربية في القدس، وترجمات جبرا، وتنشئته السريانية، ودراسته رواية تيار الوعي ممثلة بأعمال جيمس جويس، والدراسة النظريات الغربية والروسية في موضوع الفن الروائي وعلاقته بالموسيقى، والسرد والترميز الديني والاسطرة.
وقسم المؤلف الكتاب إلى ثلاثة اقسام الأول يتحدث عن التأريخي النظري، التطبيقي، حيث يرصد المراحل التاريخية التي ساهمت في نشوء التناص الموسيقي والمسيحي في اعمال جبرا، واعتبارها من سمات الحداثة الغربية، ويعرض القسم الثاني النظريات والتقنيات الروائية الحديثة للرواية الأوروبية والاميركية، التي تشكلت عند جيمس جويس ووليام فوكنر.
ويبين اهم المذاهب والتيارات الأدبية التي مثلتها ترجمات جبرا، ويتناول في القسم تطبيق التناص بنوعيه الموسيقي والديني، على نصوصه الروائية والقصصية، بمعزل عن المؤلف او التوجه الايديولوجي، من خلال استقراء اعمال جبرا وجويس والاوديسة ومسرحية العاصفة لشكسبير والعهد الجديد، ضمن دراسة مقارنة. من جانبه، يصف استاذ الادب العربي في جامعة ماك جيل مونتريال، كندا د. عيسى بلاطه في التمهيد الذي كتبه للكتاب: ان جبرا من الأدباء العرب الذين قل امثالهم في العصر الحديث، فهو صاحب اطلاع واسع على الأدب العربي، والآداب الغربية في الوقت نفسه، مشيرا الى ان اعماله تتميز بتنوع الاجناس، فكتب القصة القصيرة والرواية والشعر الحر والمقالة والسيرة الذاتية والنقد الادبي والنقد الفني وتاريخ الفن والسيناريو الروائي.
ويرى أن جبرا أجاد وإبدع في كل الاجناس لم يكتف بذلك، فترجم كتابات لكبار المؤلفين والشعراء الغربيين من وليام شكسبير الى وليام فوكنر، ومن جيمس فريزر الى ادموند ولسون نشرت في سبعة وعشرين كتابا في مواضيع حضارية وثقافية وادبية وفنية مختلفة، وكان لها تأثير كبير على معاصريه من الأدباء والفنانين والمفكرين العرب في اتجاهاتهم نحو التجديد والحداثة.
ويؤكد بلاطه ان جبرا ذو مواهب متعددة وفي حضرة اديب حداثي، به نهم جامح للحياة والتعبير عنها وعن اهتماماته ومشاغفه بطرق شتى واساليب مختلفة، مؤكدا ان الذي يريد ان يدرس جبرا عليه ان يكون ملما بكل هذه الامور شاملة. وقد ظهرت دراسات عن جبرا يلقي الضوء فيها بشيء من الإيضاح.
ويشير الى ان المؤلف يمهد في فصول الكتاب إلى التعريف القارئ بالخلفية التي نشأ فيها جبرا وتأثر بها، وهذا ما جاء في الفصل الاول عن الكلية العربية في القدس، التي درس فيها جبرا قبل التحاقه بجامعة كمبردج في انكلترا، وما كتبه في الفصل الثاني عن المسيحيين السريان في فلسطين الذي كان جبرا واحدا منهم.
كما يتحدث الفصل الثالث عن دراسة جبرا والترجمات التي قام بها وتأثير هذه الترجمات على الرواية العربية الحديثة، ويتناول هذه الترجمات واحدة واحدة بتسلسل تاريخ ترجمة جبرا لكل منها، ويستعرض كل واحدة منها على حدة، ويتحدث عن موضوعها وعن مؤلفها واهمية مكانتها في الادب او الفكر في الغرب. ويقف وقفة طويلة امام اثنتين منها ترجمة لهما جبرا لجزء من كتاب العالم الانثروبولوجي جيمس فريزر يتعلق بأدونيس او تموز، وترجمته لرواية الصخب والعنف لمؤلفها الاميركي وليام فوكنر. ويشرح اثر هاتين الترجمتين على الأدب العربي الحديث بتفصيل، ولا سيما الثانية، ويذكر الروائيين والشعراء العرب الذين تأثروا بهما واقوال النقاد العرب في ذلك.