باحثون يحشدون طاقاتهم لمحاربة ظاهرة "الجزر الحرارية الحضرية"

مشهد عام من نيويورك-(أرشيفية)
مشهد عام من نيويورك-(أرشيفية)

بون- يسود قلق في العالم خصوصا في البلدان الحارة جراء ظاهرة يسميها علماء المناخ "الجزر الحرارية الحضرية" وتتمثل بموجات حر تحول المدن إلى ما يشبه أفرانا يختنق فيها السكان، ما يسبب معاناة وحالات وفاة في بعض الأحيان.اضافة اعلان
ومن شأن الاحترار المناخي في البلدان الحارة أن يزيد المعدلات القصوى المسجلة لدرجات الحرارة خلال العقود المقبلة.
وجرى تسليط الضوء على هذه المشكلة من جانب باحثين وأخصائيين في التنمية الحضرية خلال اجتماع لهم هذا الأسبوع في مدينة بون الألمانية التي شهدت جولة مفاوضات بشأن المناخ. كذلك شهد الاجتماع عرضا لمروحة واسعة من الحلول التي يتم البدء في تنفيذها لمحاربة هذه الظاهرة، من زرع الأشجار إلى المباني التي تسمح لنسيم الهواء بالمرور.
وتنجم ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية عن حدث فيزيائي بسيط؛ فخلال النهار، تخزن المدن الحرارة المتأتية من الشمس والحركة المرورية في الإسمنت والحصباء لتعود وتخرجها خلال الليل.
لكن مع موجات الحر تبدأ حلقات مفرغة؛ إذ إن الليل ليس طويلا بما يكفي لتنفيس كامل الحرارة المخزنة، وبالتالي عند الفجر يكون النهار الجديد حارا في الأصل والحرارة الإضافية تأتي لتتراكم مع الحرارة الأصلية.
ومن دون تبريد أو تراجع في موجات الحر، يواجه الأشخاص المسنون أو المرضى بشكل خاص خطرا جراء هذه الظاهرة. وفي سنة 2003، أسفرت موجة حر ضربت أوروبا عن وفاة أكثر من 70 ألف شخص، بحسب دراسات.
وأشارت كاتارينا فريتاس المكلفة ملف البيئة المستدامة في منطقة المادا جنوب العاصمة البرتغالية لشبونة إلى أن "الجزر الحرارية الحضرية تمثل مشكلة كبرى بالنسبة إلينا"، لافتة إلى أن الفارق في الحرارة بين وسط المادا وضواحيها قد يصل إلى أربع درجات.
وقالت "خلال صيف العام 2013، واجهنا موجة حر قوية. سجلنا وفاة 1400 شخص إضافي في هذه الفترة مقارنة مع السنوات السابقة، الحرارة خلال الليل كانت 33 درجة، لم نكن قادرين على تلطيف الجو، كان ذلك كابوسا".
ولفت مايكل بوسويل الأستاذ في جامعة "كاليفورنيا بوليتكنك ستايت يونيفرسيتي" إلى أن مدينة لوس أنجلوس الأميركية التي تعد أربعة ملايين نسمة وعددا قليلا من الحدائق وتنتشر فيها السيارات بشكل كبير، هي أيضا من المدن المهددة جراء هذه الظاهرة.
وتتخطى الحرارة في وسط المدينة حاليا الـ35 درجة على مدى ستة أيام سنويا، لكن "بحلول العام 2050، من المتوقع أن يرتفع العدد إلى 22 يوما على أن يصل إلى 54 يوما بحلول سنة 2100"، على ما أوضح بوسويل.
لكن ما العمل لتقليص درجة الحرارة في المدن؟
الأمر الأول الممكن هو زرع أشجار للاستفادة من ظلالها، بحسب انغريد كونينكس من جامعة "واغينينغن يونيفرسيتي اند ريسيرتش سنتر" في هولندا.
لكن "يجب القيام بذلك بشكل صحيح. فإذا ما منعتم النسيم المتجه نزولا من بلوغ الأرض، قد يؤدي ذلك إلى زيادة الحرارة ووقف التلوث".
كذلك ثمة وسيلة أخرى سريعة وغير مكلفة نسبيا تتمثل في تسيير المياه، علما بأن مجاري المياه تمتص جزءا كبيرا من الحرارة في الغلاف الجوي، بحسب كونينكس.
ومن الأفكار الأخرى أيضا زرع أشجار وشجيرات في أعلى المباني وطلاء الأسطح أو تغطيتها بطريقة عاكسة لضوء الشمس.
لكن هذه التدابير ليست فعالة إلا في حال استخدامها على نطاق واسع. وفي هذا الإطار، قالت ساسكيا بوخهولز من هيئة الأرصاد الجوية الألمانية "إذا لم يتخط عدد الأسطح الخضراء نسبة 20 % أو 30 %، لن تلاحظوا أي أثر على مستوى الشارع".
وفي مدينة مصدر، وهو تجمع سكني حديث يراعي مستلزمات البيئة المستدامة في إمارة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة "ثمة مسعى للحد من درجات الحرارة بالطرق الهندسية عبر شكل المباني والأبراج الهوائية، التي تلتقط الهواء فوق أسطح المدينة وتدفعه نحو الأسفل إلى مستوى الطريق"، بحسب مايكل بوسويل.
إلى ذلك، تشهد النماذج المعلوماتية التي تسمح برسم خريطة درجات الحرارة في المدن تطورا سريعا.
واعتبرت انغريد كونينكس أنه من الممكن التخيل أنه في السنوات العشر أو الخمس عشرة المقبلة، سيحرص الأشخاص الراغبون في شراء منزل جديد على التثبت من إمكان وقوعه في منطقة تطالها موجات الحر، "ما سينعكس على أسعار العقارات". - (أ ف ب)