بانتظار عودتهم

من المتوقع أن تعلن الحكومة خلال أيام قليلة عن بدء تنفيذ خطتها لإعادة آلاف الأردنيين، وأغلبهم من الطلبة العالقين في الخارج منذ إعلان إغلاق الحدود كإجراء احترازي لمواجهة وباء كورونا مطلع آذار (مارس) الماضي. وحسب المعلن فإن نحو 23 ألف أردني تقدم بطلب للعودة عبر المنصة الإلكترونية لوزارة الخارجية، التي أغلق الاستقبال عبرها الثلاثاء الماضي.اضافة اعلان
الخطوة الحكومية كانت ضرورية وبثت الأمل لآلاف الأردنيين ممن تقطعت بهم السبل في الخارج للعودة وإعادة لم شملهم بعائلاتهم خاصة وأن معظم الجامعات والمدارس في دول الاغتراب قد توقفت فيها الدراسة، علما أن عددا من الجامعات قد استأنفت الدراسة إلكترونيا وبعضها كما في ألمانيا أعلن قرب فتح حرمها للدراسة مجددا بعد السيطرة على الوباء هناك، إلا أن أغلب جامعات العالم أمامها كما يبدو عدة أشهر للعودة لاستئناف دوامها.
المشكلة هنا لا تقتصر على الطلبة الأردنيين في الخارج، والذين تقدر أعدادهم بنحو 35 ألف طالب في الجامعات ونحو 1500 طالب في المدارس، بل تتجاوزهم إلى مئات الأردنيين ممن كانوا في رحلات عمل أو سياحة أو زيارات قبل أن يفاجأ العالم بسرعة انتشار الوباء وتغلق الحدود والمطارات فتتقطع بهم السبل، وبعضهم وجد نفسه في بلاد الترانزيت معلقا بالهواء بانتظار فرج الله، مثلهم مثل عشرات آلاف البشر من مختلف الأقطار.
الحنين للوطن وللعائلة ليس السبب الوحيد للرغبة في العودة على أهميته، بل للظرف الصعب الذي وجد آلاف الأردنيين أنفسهم فيه، حيث استنزاف المال لتغطية المعيشة الطارئة في بلاد غريبة في ظل عجز العديد من العائلات عن تأمين أبنائها بما يحتاجونه للإنفاق على إقامتهم الطارئة ومصاريف المعيشة فيها. ومن يتابع الشكاوى التي يبثها العديد من هؤلاء في الغربة اليوم يقدر حجم الضائقة والمعاناة التي وجدوا وعائلاتهم أنفسهم فيها.
ثمة تواصل وتعزيز للعلاقة بين السفارات والقنصليات الأردنية مع الأردنيين من طلبة وغيرهم في الخارج، لكنه تواصل معنوي وتنسيقي ولا يتجاوز ذلك إلى مرحلة الدعم المادي لمن يحتاجونه لظروف يمكن المحاججة فيها، ما يبقي الخيار الأفضل أمام الجميع هو تمكين الراغبين أو بالأحرى المضطرين للعودة للمملكة في أسرع وقت ممكن وتأمين كل الظروف لذلك.
قد تكون المشكلة الآن أن الحكومة حسمت خيارها تجاه تنظيم عملية العودة للأردنيين من الخارج بحيث يتحمل الراغبون بالعودة كلفة تذكرة الطائرة وكلفة الإقامة في الحجر الصحي بعد وصولهم، وهي بلا شك كلف باهظة وكبيرة قد لا يستطيع الكثير منهم تأمينها في ظل الأزمة المعيشية والاقتصادية التي يعانونها وعائلاتهم حاليا. صحيح أن الحكومة تعاني لتأمين أوجه إنفاق عديدة أخرى في باب الحماية الاجتماعية لمئات الألوف من المواطنين ممن توقفت أعمالهم ودخولهم، لكن ذلك لا يعني عدم مسؤوليتها أيضا عن هذه الفئة من المواطنين ممن تقطعت بهم السبل في الخارج، خاصة من غير المقتدرين أو محدودي الدخل.
طبعا؛ الحكومة وعدت بالنظر بأوضاع غير المقتدرين ممن تقدموا بطلبات العودة وفتحت الباب لتحمل كلف إعادتهم، لكنها لم تبلور ذلك بصورة واضحة ومحددة ما يبقي العديدين في الخارج في قلق على مصيرهم وما إذا كانوا سيستفيدون من طاقة الأمل الجديدة. أعتقد أن الحل لذلك هو تأمين كل من يدعي عدم القدرة على دفع الكلفة بالعودة ونفقة الحجر الصحي ثم يتم النظر في مدى قدرته من عدمها على تحمّل النفقات.
للأسف أن البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي يتعامل مع قضية الأردنيين العالقين في الخارج بسلبية أو في أقلها بعدم التفهم، وهو أمر لا يستقيم مع الدولة التي نؤمن بها، ونريد دولة لكل مواطنيها وحكومة مسؤولة عن كل مواطن فيها سواء كان في داخل الوطن أو خارجه.