بدل أن تلعنوا قلة الجمال زوروا معرض مهنا الدرة!

في عمان الآن حدث فني ثقافي كبير. فقد افتتح قبل أيام أكبر معرض للوحات الفنان الكبير مهنا الدرة، وربما يكون أكبر معرض شخصي لفنان واحد يقام في الأردن.اضافة اعلان
فقد خصص المتحف الوطني للفنون الجميلة في اللويبدة، كامل مبناه وقاعاته الفسيحة الموزعة على أربعة طوابق لعرض أكثر من 200 لوحة تمثل سيرة الفنان الإبداعية منذ رسوماته الأولى كطفل في العاشرة من عمره العام 1948 وحتى آخر ما أبدعه في العام الحالي 2018، حيث يتم الدرة الآن عامه الثمانين.
يُطلق على مثل هذا المعرض تسمية "استعادي" نظرا لمداه الزمني، وبالفعل فقد عمل المنظمون على استعادة الكثير من اعمال الفنان من بيوت مقتنيها، وهي فرصة لاطلاع الجمهور على لوحات معلقة على جدران خاصة، وبعضها منذ عشرات السنين، بعد أن نقلوها مؤقتاً للعرض للعموم.
ليست هذه المقالة في النقد الفني، ببساطة لأني لست مختصاً ولا متمكنا من هذه الصنعة أو المهارة، وربما ينصب اهتمامي على التاريخ الثقافي أو الاجتماعي للظواهر. ومن هذه الزاوية فإن المعرض يشكل مقطعا طوليا جميلاً في مسيرة الفنون والثقافة في الأردن طوال سبعين عاماً. فالفنان الدرة يكرر لمحدثيه دوماً بأنه لا يتذكر نفسه بعيدا عن الرسم والألوان واللعب بالرسوم والأشكال واستخدام تلك الموهبة حتى في شؤون "الإزعاج" الطفولي الذي مارسه بأقصى مدى، وربما يود لو لم يقم بذلك الآن، لأنه يرى أن خيال الطفل أوسع من خيال الكهل.
المعرض يحتاج لقدر من الوقت، وربما يتطلب الأمر أكثر من زيارة، إذ على الزائر المهتم أن يدرك أنه سوف يمر ليس فقط بالمحطات الفنية في سيرة الفنان بل أيضاً بالمحطات التي مرت بها فكرة الفن في الأردن، فالدرة الذي درس الرسم بإصرار وعناد، وتخرج من روما نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، وجد أن عليه مهمة الإجابة على المسألة التالية: كيف يمكن للناس أن يحبوا اللوحة الفنية؟
صحيح أن جدران البيت الأردني كانت ولا تزال تحمل الصور والرسوم واللوحات الخطية، وفي بعض المراحل حملت شهادات المدرسة والجامعة للأولاد إلى جانب صور الآباء والأجداد، غير أن اللوحة الفنية المرسومة لم تكن مألوفة في ذلك الحين. لقد بدأ الدرة برسم لوحات تحمل بالإضافة إلى جمالياتها، المحتوى الذي يفهمه الجمهور ويحبه ويدافع عنه. إن لوحته الشهيرة التي تمثل وجه سيدة سلطية، شكلت عند رسمها، ميدانا للتنافس، فكثيرون راحوا يؤكدون أنها أمهم أو جدتهم أو أختهم. ولا تزال هذه اللوحة رغم مرور أكثر من نصف قرن على رسمها تجذب الاهتمام وقد انتشر لها الكثير من النسخ المصورة.
المعرض سوف يستمر لأربعة أشهر، حتى نهاية آذار، ومن المؤسف أن الجهات والمؤسسات التي تعمل تحت عناوين ثقافية لا ترى أن هذه فرصة لتثقيف منتسبيها بصريا وجماليا... وبالمجان.
لماذا لا تنظم المدارس زيارات جماعية للراغبين من الطلاب؟ لماذا لا تهتم هيئات واتحادات الطلبة في الجامعات بمثل هذا الحدث الكبير؟ لماذا لا يعتبر النشطاء في شتى المجالات زيارة المعرض جزءا من اهتمامهم؟
أيها المشتكون من تردي الثقافة وتراجع دورها، أيها المتحسرون على تردي الذوق العام.. من فضلكم توقفوا مؤقتاً عن الشكوى والتحسر، وزوروا معرض الفنان الكبير مهنا الدرة.