بديل الوكالة حاضر


على الرغم من إثارتي موضوع وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم، في الماضي، وأن وظيفتها واضحة في اسمها، وهي إغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم، إلا أنني أجد نفسي مضطراً لإثارته اليوم، بعد تراخي العالم في تمويلها، والتهديد بوقف أعمالها، وإلغائها من الوجود.اضافة اعلان
كان نقدنا لها في الماضي موجهاً لقصر مهمة الوكالة على الإغاثة والتشغيل من دون العمل على عودة اللاجئين إلى ديارهم. ولذلك كانت الوكالة تقطع بطاقة اللاجئ بعد تعليمه، وتخرجه في مدارسها وكلياتها ومراكزها، وحصوله على وظيفة أو عمل على اعتبار أن مهمتها نحوه انتهت. لكنها مع ذلك صارت هي واللاجئون الفلسطينيون توأمين؛ أي رمزاً لأهم بند في قضية فلسطين، وهو اللاجئون الذين من دون توطينهم أو لرفضهم التوطين، يظلون مصدراً دائماً لتهديد وجود إسرائيل.
ولذلك تسعى إسرائيل وأميركا ومن لف لفهما إلى إلغاء الوكالة لإلغاء موضوع اللاجئين. وبإلغائها لا يتردد ذكرهما في العالم يومياً وفي الأمم المتحدة سنوياً. لقد دعا نتنياهو مرات إلى تصفية الوكالة، كما قامت أميركا ترامب للمرة الأولى بوقف إسهاماتها في ميزانيتها تمهيداً لإلغائها.
لو لم تنشأ الوكالة في حينه؛ أي في أثناء أو بعيد حرب فلسطين (1948-1949) لكان للاجئين شأن آخر، ومن ذلك عودة كثير منهم سراً وعلناً إلى ديارهم في تلك الأثناء من دون أن تستطيع إسرائيل غير المهيمنة آنذاك على الحدود والديار منعهم. وقد فعل عدد منهم ذلك. لكن تلقف الوكالة العاجل للاجئين وإغاثتهم وقد تقطعت بهم السبل وإنشاء مخيمات فورية لإيوائهم، واعتقادهم أنهم راجعون اليوم أو غداً، كما تفيد القرارات الدولية والأنباء والمواقف السياسية، جعلتهم لا يخاطرون بحياتهم وأطفالهم بالعودة الخفية الخطرة؟!
وعندما وقعت هزيمة حزيران 1967، عاد كثيرون من أهل الضفة وغزة في الخارج إلى فلسطين مجتازين نهر الأردن الضحل والحدود غير المضبوطة بعد، لأن إسرائيل لم تكن قد أحكمت سيطرتها عليه.
تعنى وكالة الغوث باللاجئين الفلسطينيين فقط، ولا يعنيها غيرهم. تعنى بغيرهم المفوضية السامية للاجئين، فوظيفتها السعي أو العمل الدؤوب على إعادة اللاجئين إلى ديارهم. ولكن وظيفتها لا تشمل اللاجئين الفلسطينيين نتيجة إنشاء وكالة دولية خاصة بهم. لم يفكر أحد بخطورة هذا الترتيب في حينه، لأنه كان يؤدي خدمة خفية لإسرائيل نراها واضحة اليوم.
لقد خدم إنشاء الوكالة وقصر عملها على الإغاثة والتشغيل استراتيجية إسرائيل في منع اللاجئين من العودة، وبالتالي تأخير الديموغرافية الفلسطينية أو المقاومة البيولوجية في فلسطين عن العمل وإن لم يستطيعوا وقفها عند الباقين صامدين في ديارهم، فعدد الفلسطينيين اليوم بين البحر والنهر يفوق عدد اليهود. وتعمل إسرائيل ليل نهار لتطفيشهم وإصدار القوانين اللازمة لجعل إسرائيل دولة يهودية وليس لجميع المواطنين.
ويقيني أن هذه السياسة أو الحكاية ستتكرر مع لاجئي الروهنجا في بنغلادش وفي المخيمات وفي الإغاثة والتشغيل سيمضي الوقت ولن يعودوا أو يعادوا إلى وطنهم.
وأعود لموضوع تصفية الوكالة لأدعي أن بديلها حاضر وأنه (البديل) سيعيد للقضية زخمها وفورانها، وسيندم الذين صفوها ويعضون أصابعهم عليه.
تصفية الوكالة أشبه بحرق السفن بالنسبة للاجئين: فإما استمرار الحياة البائسة والجوع والذل في المخيمات، أو العودة إلى الوطن مهما كان الثمن.
بتصفية الوكالة لا يبقى أمام اللاجئين سوى الانطلاق في مسيرات العودة إلى ديارهم ووطنهم إعمالاً لحقهم التاريخي والقانوني والسياسي. مسيرات يشترك فيها الصغار والكبار والنساء والرجال والمؤيدون نحو الحدود واختراقها موجة وراء موجة في نهاية الأمر مهما كانت الأخطار والتضحيات، وعلى غرار ما يحدث في قطاع غزة، وما سيحدث في فلسطين 1948 و1967. ويجب على الدول المضيفة المجاورة لفلسطين أن تظل تكرر أنها وقد صفيت الوكالة لا تستطيع أن تحل محلها في الإغاثة والتشغيل، وأنها لن تمنع اللاجئين من محاولة العودة كل يوم أو كل أسبوع واجتياز الحدود نحو وطنهم ما داموا يقومون بذلك سلمياً وتنفيذاً للقرارات الدولية، التي على إسرائيل والمجتمع الدولي تنفيذها.
إن تصفية الوكالة ومنع اللاجئين من العودة يشكلان تهديداً لاستقرار دولنا، مع أننا لسنا طرفاً في هذه التصفية. بهذا البديل الحاضر ستبعث القضية من جديد، وعلى الباغي تدور الدوائر.