أفكار ومواقف

برامج التسلية والمقالب

لا أدري ما يهمّ المشاهدين العرب من أمر السّطو على مجوهرات الإعلاميّة فلانة في سياق مقابلة لها مع الإعلامي نيشان! فالسيدة التي كان لها برامج ناجحة لم تكن لتظهر بهذا المظهر الفاخر وتتباهى به، لو كانت تشغل مخّها أفكارٌ قيّمة عن الحياة، وعن دورها فيها. ومع ذلك فقد استغرق الحديث عن سرقة هذه المجوهرات التي عرفنا أيضاً بائعها المتخصّص، دقائق طويلة لا تضيف تسلية ولا تبحث في العمق عن فكرة عظيمة ضائعة. بينما سيكون الحديث عن رحلتها مع السّرطان ذا مغزى أصحّ!
مثل هذه التفاهة كثيرٌ في برامج التّسلية التي جنح بعضها إلى استغفال الضّيف وعمل “مقلب” فيه بعيداً عن الغاية المعلنة، من أجل حفنة من الضحكات، أغلبها بليد أو خطير. إذ كيف يُساق ضيف محترم أو غير محترم إلى جدال سوقيّ تَشتمُ فيه مقدّمة البرنامج الضّيف بنِيّة “الهزار” أو المزاح، ليكيل لها الصاع صاعين من الشتائم أو من العنف الجسديّ، بنيّة الجد؟ وأين الفكاهة في أن يُحاصر الضيف خالي الذهن في مصعد، فإذا انفتح الباب فعلى أسدٍ حقيقيّ رابض، بينما مقدّم البرنامج يقهقهُ في غرفة الكونترول؟ وأين خفة الدم في ترتيب لقاء في قارب فإذا انتصف في الماء تطوّرت النكتة البليدة إلى فيلم “أكشن” حيث يوهمُ الضيف أنه سيُختطف، فيفضّل الغرق؟
ومثل ذلك كثير، يُنبئ النّجاح (الباهر) لهذه البرامج أنّ الذائقة العربيّة التي تستقبلُها بالرّضى قد فسدت، وأن الفرق بين النكتة والإيذاء قد ارتفع أو تماهى… وأنّ إزجاء الوقت باستمتاعٍ على إيذاء الآخرين ليس سوى ساديّة تنبئ عنها بوضوح أكبر مشاهد القتل التي تباركُها الأيديولوجية والخذلان العربيّ بالتزامن مع الحقد الدّولي! وهي فكرة لا تبتعد كثيراً عما كان طرحه فيلم أميركيّ بعنوان “لعبة الجوع”، حيث تدور اللعبة على قتل بعض المتسابقين بعضهم الآخر من أجل الفوز بالطعام، بينما مديرو اللعبة يقهقهون!
فالفكاهة أينما تكون هي خفة الظلّ في التعبير عن أمر جاد، وتحتاج لكي تجعلنا نبتسم إلى ذكاء في المُلقي وفي المتلقي… فأين الذكاء في إغضاب الناس وإخراجها عن طورها ثم الكشف عن أنّ ما كان ليس سوى “مقلب” للضحك؟ بل أين الذّكاء في تخصيص برامج تلفازية لهذه النكات البائخة التي تهبطُ بالذوق وبالذكاء معاً؟ أو برامج مقابلات تتبارى فيها الأسئلة لتسطيح الحياة وتتفيه جوهرها؟
مع الانهيار العام في كلّ شيء لم نعد لنستغرب ما يجري على شاشات التلفاز، مثلما هو الأمر في واقع الحال! ولكن من أجل حفنة من الأمل دعونا في خفة الظلّ لا في خفّة العقل أيتها الفضائيات!

[jetpack-related-posts][/jetpack-related-posts]
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock