برنامج مروان برغوثي

لعل مروان برغوثي هو أحد القادة القلائل جداً الذين أعلنوا موقفا عمليا فيه تصورات ما للانتفاضة الفلسطينية الراهنة، أو كما يسميها مروان "الهبّة الشعبية الحالية". ومع مقاله الأخير الذي تنشره مجلة الدراسات الفلسطينية، فإنّه يقدم مراجعة فكرية وسياسية مهمة وضرورية، ويسجل أنّه ينخرط مع الشارع، رغم أسره، تماماً كما انخرط مع الجماهير وقادها في "انتفاضة الأقصى"، وكما كان قبل ذلك أيام عمله الطلابي ممن مهدوا لانتفاضة 1987.اضافة اعلان
أول ما يأتي في المقال، ضمناً على الأقل، رهان مروان على الشارع. بعد ذلك يطرح خريطة طريق تتكون من "تجديد الخطاب والبنية، عبر التزام خطاب تحرر وطني وبنية سياسية شابّة تنقلنا إلى مسار وطني بديل".
البند الأول، أو بداية برنامج مروان، هو "الخطاب". ورغم أنّه يبدو ملتزماً بحل الدولتين، وبالدولة الفلسطينية هدفاً، إلا أنّه يطرح مسألة تبني خطاب التحرر، والمقصود هنا العودة لرؤية الإسرائيليين كقوة استعمار، ولهذا معانٍ كثيرة. أولها، التراجع عن الخطاب الحقوقي، كما يصفه، والذي أسقط الفلسطينيين في فخٍ حوّل السلطة الفلسطينية من كونها قاطرة تحرر مؤقتة، إلى وسيط مع الاحتلال، تنقل المطالب. وأحياناً تصبح المطالب الشعبية مأزقا لا يتوقف من المطالب الحياتية والمعيشية اليومية، الموجهة للسلطة، وذلك بدل أن يتحمل الاحتلال تبعات احتلاله. ويلوم مروان القيادة الفلسطينية لإخفاقها "في التقاط مغزى الهبّة الذي قدّم بوصلة وطنية يمكن الاستعانة بها لتصويب المسار". والمقصود هنا تبني خطاب جديد كلياً، قد يؤدي لتأليب دولي، تعتقد القيادة أنّه لا يمكن تحمله، أو التعامل معه، ولكنه يجمع قوى التحرر، والشعوب، ويطرح فكرا متنورا، بدل القيم المتخلفة "التي تكرسها السلطة".
البند الثاني، كأنه يقول إذا كانت البنى القيادية الحالية لا تستطيع تحمل تبعات البند الأول (تغيير الخطاب)، فإنّ الحل هو الوحدة الوطنية، على  أساس وثائق منظمة التحرير الفلسطينية، ووثيقة الأسرى، وغيرها من الوثائق الجامعة التي ستكون أساس "عقد مؤتمر وطني تشارك فيه جميع القوى السياسية والفاعليات الاجتماعية والاقتصادية والنخب الفكرية والأكاديمية وممثلين عن الشباب والمرأة والأسرى المحررين وعن فلسطينيي الداخل والشتات"، وهذا ينتج عنه منظمة تحرير فلسطينية شابة، ذات طاقات قادرة على حمل أعباء التحرر بخطاب جديد مختلف حتى عن الانتفاضتين السابقتين، بدل التكلس الراهن.
ثالث بنود الخريطة، "السماح للشباب باستلام مواقع قيادية تمكّنهم من التأثير في السياسات والمواقف، بما في ذلك إنقاذ المشروع الوطني. وتمكّنهم أيضاً من صناعة مستقبلهم وفتح المجال أمام الأجيال المقبلة في سياق عملية التحرر الوطني". وهذا بالتأكيد سيكون أحد منتجات المؤتمر المشار إليه في البند الثاني.
ما يطرحه مروان هنا تجديد الحركة الوطنية، وتوحيدها، لتوفر طاقة كافية للنضال التحرري، بدلا من الشعور بعدم الجدوى الراهن، والارتهان للمفاوضات، ولبنى سلطة بيروقراطية وأمنية تعمل تحت الاحتلال.
إنّ عدم اكتراث العالم والحكومات العالمية بالهبة الحالية، وعدم الإسراع إلى مناصرة الفلسطينيين، حتى بمستوى كالذي كان في الانتفاضات السابقة، ناتج عن عدم التقاط اللحظة، وعدم طرح خطاب تحرري جديد، وعدم الشعور أن الهبة مقدمة لبناء حركة وطنية جديدة، بل ربما النظر إليها من خصوم الفلسطينيين على أنها تقضي على جيل فلسطيني جديد، من دون ثمن، ومن دون استثمار قيادي وفصائلي.
يحاول مروان معالجة معضلة السلطة الفلسطينية، باقتراح أن ينحصر دورها "في توفير عوامل الصمود الاقتصادية والمالية والتعليمية والصحية وغيرها"، وأن تتخلى السلطة "عن وظيفتها الأمنية المتصلة بالاحتلال، وتتيح للمقاومة مواجهة المستعمر وأدواته". وهذا الاقتراح يطرح سؤالا مفاده: هل يمكن حقاً استمرار "السلطة"، إذا أعادت تعريف دورها، حتى لو كان ذلك لأن الاحتلال خرق الاتفاقيات وجرد هذه "السلطة" مما أعطي لها من صلاحيات، محدودة أصلا؟ أم سيتم تدميرها؟ وبالتالي يجب تطوير الحركة الوطنية الفلسطينية لبدائل ووضع سيناريوهات لمواجهة سيناريو انهيار "السلطة".
لقد قام مروان برسالته هذه، بتقديم مداخلة متقدمة، رغم ظروف الأسر. وتحتاج أطروحته الآن لمن يثريها بالنقاش ويستكملها. ومن يمكنه فعل ذلك، هم من أشار إليهم أبو القسّام في مقاله: "مؤتمر وطني" يُدخل الشباب والشرائح الجديدة في بنية الحركة الوطنية الفلسطينية، ذات الخطاب التحرري.