حياتناصحة وأسرة

بشار الشريف يكتب: التدخين بين الحقيقة والتَّصَوُّر

آفة التدخين من أكثر الآفات انتشارًا في العالم عمومًا وفي مجتمعنا الأردنيّ خصوصًا؛ حيث قاربت نسبة المدخنين في الأردن لهذا العام ٨٠ ٪ حسب منظمة الصحة العالمية، وهي نسبة عالية جدا..!! لذا أبدت المنظمة تخوفها من ظاهرة التدخين في الأردن، ورصدت إحصائيات مرعبة لإنفاق الأسر على التدخين!! وهنا يأتي السؤال :
لماذا ترتفع نسبة المدخنين في الأردن؟؟

حقيقة التدخين أنه سموم، يتناولها الشخص بإرادته ورغبته وماله، وهي سموم تحرق الجسد والمال، كريهة الرائحة، تطبع كثيرا من أصحابها بطبائع سيئة؛ كالأنانية؛ فهو إذا أراد أن يدخن لا يستأذن أحدًا غالباً، ولا يهتم لوجود مريض أو متحسس من الحاضرين.. كذلك تجد كثيرين يدخنون في السيارات، ثم يُلقون أعقاب السجائر ومخلفاتها من نوافذ السيارات في الطرقات ، ناهيك عمن يدخنون في المصاعد!!

ورغم هذه الحقيقة التي لا يختلف عليها حتى المدخنون إلا أن الإقبال عليه في تزايد!! لماذا؟؟

السبب في تقديري هو التصور عن التدخين؛ بمعنى أن المراهقين يقبلون عليه؛ لأنهم يتصورون أنه يظهر رجولتهم، واستقلال شخصياتهم..
أما عند كبار المدخنين فبعضهم يتصور أنه وسيلة للتنفيس عن الواقع الذي فيه غلاء وضغوطات حياة، ومع ذلك يناقض نفسه فينفق جزءا لا يستهان به من ماله ليُحرقه بالتدخين!!

والبعض الآخر يرى في التدخين وسيلة ترفيه وتسلية وتعديل للمزاج..
والبعض يرى فيه (مكانة اجتماعية) عالية تتجلى في نوع السجائر وثمنها.. بل أصبح من الثقافة السائدة عند كثير من السيدات أن (الأرجيلة) مظهر من مظاهر التحضر والرقي..

ومع ظهور السجائر الإلكترونية تعزز تصور أن التدخين (برستيج) عند الشباب والفتيات؛ لأنه صار وسيلة للتباهي بنوع السيجارة وشكلها وثمنها وطبيعة (الجوس) الذي فيها..

لاحظوا إذن كيف أن التصور المُتخيّل أثر في سلوكنا، وعزز فينا سلوكًا سلبيًّا قاتلًا جعلنا غافلين عن حقيقته التي لا نختلف عليها.. بل جعل البعض يجادل بشراسة رافضًا أيّ فتوى تحرم التدخين..

إن تشكيل التصورات، وبناء المفاهيم، وصناعة الوعي من أخطر ما يمكن العمل عليه في هذه الأيام..؛ لذا علينا أن نكون أكثر وعيًا حتى لا تُفرض علينا مفاهيم وتصورات يناقضها الواقع ويستفيد منها أصحاب رؤوس أموال بنَوا ثرواتهم بتسويق السلع القاتلة للناس..

وكم من قبيح استحسنه الناس؛ بسبب الإبداع في تسويقه، وبناء تصور إيجابي عنه رغم سوئه..

وكم من جميل نفر منه الناس؛ بسبب الإخفاق في إظهار حقيقته..

وعلى ذلك قس في جوانب عديدة من حياتنا.

أ.د. بشار شريف

أ.د. بشار شريف
أ.د. بشار شريف
[jetpack-related-posts][/jetpack-related-posts]
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock