بطاقات النسور الذكية

بحسبة بسيطة، فإن إصدار 3 ملايين بطاقة ذكية خلال ثلاثة أشهر، يعني إصدار مليون بطاقة شهريا، وهو عدد هائل؛ إذ يكون على موظفي دائرة الأحوال المدنية إصدار نحو 30 ألف بطاقة يوميا.اضافة اعلان
وعدا عن حقيقة الرقم الكبير جدا، فإن نوعية البطاقة معقدة، بحيث تحتاج قاعدة بيانات ضخمة تشمل زمرة الدم لكل مواطن، وبصمة العين، والتأمين الصحي، ضمن الكثير من البيانات الأخرى التي لا تتوفر معلومات كافية بشأن بعضها.
بعبارة بسيطة، يمثل مشروع البطاقة الذكية تحدياً كبيرا، وبما يبرر التساؤل عما إذا كانت المؤسسات الرسمية المعنية جاهزة ومهيأة للنجاح فيه، فلا يغدو شبيهاً في مصيره بما آلت إليه أفكار أخرى عديدة، تولّدت لدينا، لكن تأخّر تنفيذها عن كثير من الدول التي التقطتها منا، من قبيل المدينة الإعلامية، و"السيليكون فالي" المحلي، وسواهما، بحيث صار لدينا، للأسف، سجلّ طويل في التأخر وحتى الفشل في تنفيذ الحكومات، وليس الحكومة الحالية فقط، وعودها، بما ساهم في تأزيم العلاقة مع المواطنين، نتيجة افتقادهم الثقة بالمؤسسات الرسمية.
حتماً إن غاية البطاقة الذكية نبيلة، وهي مفيدة للجميع؛ مؤسسات وأفرادا. لكن الاستعجال في إصدار البطاقة هو ما يفسح المجال واسعاً للهاجس الخطير من سوء التنفيذ والتطبيق، بما يُفشل التجربة ويضيّع الهدف منها تماماً.
الفكرة ليست جديدة، بل عابرة للحكومات. وربما مرّت تسع سنوات على طرح هذه الفكرة لأول مرة، إذ كانت تؤجل وترحّل من وقت لآخر، ومن حكومة لأخرى. وبالتزامن مع ذلك، عبرت طبيعة أهداف البطاقة أيضا في عدة مراحل متغيرة، من قبيل استخدامها في تقديم الدعم النقدي للمستحقين، بعد إلغاء الدعم للسلع، لكن من دون تطبيق ذلك فعلاً.
الآن، تبدو الجدية الحكومية أكثر من أي وقت مضى في تنفيذ الفكرة. فالمخصصات المالية، ومقدارها 40 مليون دينار، موجودة؛ كما يتوفر لدى المؤسسات المعنية حوالي 300 ألف بطاقة، من أصل ثلاثة ملايين بطاقة مطلوبة. غير أن ذلك لا يعني استسهال التطبيق، إذ تظل فرص الفشل في المشاريع والأفكار الجديدة أكبر من تلك الخاصة بالنجاح، إن لم تلقَ هذه المشاريع والأفكار الاهتمام والتخطيط المطلوبين، مع العمل استناداً إلى المعطيات الحقيقية، وليس الآمال ولربما الأحلام!
مرة أخرى، فإن أبرز المعيقات تتمثل في توفر قاعدة البيانات المطلوبة. كما تثور أسئلة كثيرة بشأن مدى الاستجابة المتوقعة من المواطنين لإصدار هذه البطاقة، لاسيما في حال تكبدهم نفقات جديدة تتمثل في كلفة الإصدار، والتي تشير تقديرات أولية إلى أنها تدور حول 30 ديناراً تقريباً لأسرة مكونة من خمسة أفراد.
التأني مطلوب في تنفيذ الفكرة؛ لضمان نجاحها، فتكون مفيدة وفعالة حقاً، بدلاً من هدر ملايين جديدة على بطاقات قد تغدو  رقاقات بلاستيكية فحسب، وليست ذكية أبداً.
المعلومات تؤكد أن الحكومة تجتهد لإتمام المشروع بنجاح. لكنها ستصدم لاحقاً بالمواعيد التي ضربتها لنفسها، عندما تعهدت بإتمامه في آب (أغسطس) المقبل، لغاية استخدام البطاقة في إجراء الانتخابات النيابية. رغم أن ذلك ليس ضروريا، كون القانون يسمح باستخدام هوية الأحوال المدنية المعتمدة حاليا أو البطاقة الذكية في عملية الاقتراع.
يبقى أخيراً السؤال عما إذا كان ما تبقى من عمر حكومة
د. عبدالله النسور سيسعفها في إتمام المشروع، بحيث يسجِل لها المواطن منجزا باعتبارها حكومة البطاقات الذكية، كما يسجِل أيضا بأنها المناسبة الوحيدة لقيام هذه الحكومة بتقديم شيء له يضعه في محفظته، بدلا من الأخذ منها كما جرت العادة.