بعد انهيار السلطة الفلسطينية؟

يثير إسرائيليون، احتمال قيام السلطة الفلسطينية في 27 أيلول (سبتمبر) المقبل إعلان حل السلطة الفلسطينية، وتسليم مفاتيحها لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. والواقع أنّ هذا الطرح يبدو خطة أو حلماً إسرائيلياً، ولكن ليس بمعنى حل السلطة، بل المزيد من تهميشها، أو تكوين بدائل عنها، أما الجانب الفلسطيني، فليس بوارد تحقيق الخطة الإسرائيلية (تسليم مفاتيح)، وهو ليس بوارد الاستمرار في الوضع الراهن أيضاً، والجانب الفلسطيني أيضاً لا يريد السلطة، ولكنه لن يسلم مفاتيحَ لأحد، فهو يريد أيضاً تغيير باب السلطة، ومفاتيحها، مستخدماً باباً لدولة فلسطين، والبديل لن يكون استسلاماً.

اضافة اعلان

في الواقع أن عنوان مقابلة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، التي أجراها معه الصحفي الإسرائيلي، بن كاسبيت، في موقع المونيتور هو "هل يدفع ترامب عباس لحل السلطة الفلسطينية؟" هو عنوان قد يحمل أكثر من معنى، أولها أن فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل غير مقصود يضغط على الفلسطينيين فيفعلون ذلك، وقد يعني أيضاً أنه بشكل مقصود يدفعهم لذلك. وحديث عريقات أقرب إلى أن ما قد يحدث هو انهيار السلطة، إذا استمرت الأوضاع الراهنة، فحديثه أن إسرائيل ستضطر قريبا لتحمل رواتب الموظفين والصحة والتعليم والطرقات، يرافقه الحديث أنّ "الأولاد" الإسرائيليين، وهو يقصد الجنود سيحتاجون لأن يعودوا إلى المخيمات الفلسطينية، لملاحقة "الأولاد" الفلسطينيين، وبالتالي لن يكون هناك تسليم هادئ لمفاتيح، كما يتوقع أو يريد فريق ترامب أو يتخيل أحد، بل سيكون هناك إطار، وباب، آخر للعمل الفلسطيني، يفرض نفسه على الجميع.  

تعرف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أن التحفز الأمني والمضاد للاحتلال، لدى "الأولاد" الفلسطينيين، والمقصود هنا الشبان، هو أعلى بعشرات المرات مما كان قبل تأسيس السلطة الفلسطينية. فصحيح أن الترتيبات التي جاءت بها اتفاقية أوسلو قللت كثيراً من صدام الفلسطينيين مع الجنود، لأن الأمن في قصبات المدن والقرى الكبرى، صار مهمة فلسطينية، ولكن الصحيح أيضاً أنّ كل مرة يحاول الإسرائيليون دخول هذه المناطق والمخيمات، لتنفيذ اعتقال أو ما شابه، يواجهون بمقاومة من الشبان أعنف مراراً مما كان يحدث قبل العام 1994. هذا يعني أن العودة لمرحلة ما قبل السلطة (وفكرة تسليم المفاتيح)، وهم، وفي العام 2015 2016، نشر الإعلام الإسرائيلي تقارير مفصلة عن انتشار السلاح بين الفلسطينيين، وطبعاً هذا لا يعني أن الفلسطينيين لن يدفعوا ثمنا في مواجهتهم مع الآلة العسكرية الإسرائيلية، أو أن أوراق القوة الفلسطينية كبيرة، ولكن الاستسلام لا يبدو خياراً.

لدى الفلسطينيين "خطة"، أو مشروع خطة بشأن الانتقال من مرحلة السلطة إلى الدولة، وهذا كان عنوان اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني الشهر الفائت، وهو موضوع الاجتماع الشهر المقبل. بمعنى أن الفلسطينيين، يرفضون أيضاً استمرار الوضع الراهن، أو حتى السابق، من حيث الاستيطان وفرض وقائع سياسية ومادية على الأرض.  في المقابل، ما يريده الإسرائيليون والأميركيون هو استمرار الوضع الراهن من حيث التنسيق والتعاون الأمني الفلسطيني، مع الاستمرار في إلغاء أي مظهر للوجود الوطني الفلسطيني، ويريدون من الفلسطينيين غض النظر عما يحصل. 

استمرار الضغط على السلطة قد يؤدي فعلا لانهيارها، ولكن الفلسطينيين لن يذهبوا وحدهم للمجهول، فهم لديهم منظمة التحرير الفلسطينية، ولديهم الشبان ولديهم الشتات، وكلها ستعود هي العنوان العريض للوجود الوطني، ومن سيذهب للمجهول حقاً هم الإسرائيليون عندما لا يجدون عنواناً يتحدثون معه. ومرة أخرى هذا لا يعني أن الوضع سيكون مثالياً للفلسطينيين. 

ولكن حتى من دون المزيد من الضغط على الفلسطينيين، فإنّ التحول من السلطة للدولة، يبدو قراراً فلسطينياً، يدخل مرحلة جديدة، مع تدهور العملية السياسية، وأي محاولات لتجسيد هذه الدولة، قريباً، سيؤدي أيضاً لسيناريو المزيد من الضغط الإسرائيلي، يواجهه المزيد من التوتر والاحتقان، وبالتالي فقدان السلطة الفلسطينية قدرتها على السيطرة على الأمور، حتى لو شاءت. 

ما يجري هو سياسة حافة الهاوية، التي يعتقد فريق "الهواة" الصهاينة في الإدارة الأميركية أنهم يمارسونها وأنها ستُخضِع الفلسطينيين (تستحق مقابلة عريقات في المونيتور قراءة متأنية لمعرفة عقلية هذا الفريق)، هم يتوقعون أن يخلد الفلسطينيون للهدوء ويقبلون الإملاءات، ولكن هناك الكثير من الأسباب لتوقع أن تسير الأمور على نحو آخر.