بعد رفض القضاء محاكمة دحلان

جاء قرار محكمة جرائم الفساد في رام الله، يوم الأحد الماضي، برد قضية مرفوعة ضد القيادي السابق في حركة "فتح" محمد دحلان، لكونه عضواً في المجلس التشريعي، ويتمتع بحصانة برلمانية. وهذا قد يمهد لإعادة النظر في أحكام سابقة صدرت ضده، إلا أنه لا يُسقط، في الواقع، الاتهامات سياسياً، كما لا يسقط البعد السياسي للقضية، بل ولا ينهي الشق القانوني كلياً. فالحكم هو رد القضية لأسباب تتعلق بالحصانة، وليس لأنّه تم التدقيق في التهم وثبت زيفها، مع أنّه من الممكن جداً، ونظرياً على الأقل، أن تصل المحكمة فعلا إلى رفض التهم، والتبرئة، لو كان من حقها، لو استطاعت المضي في القضية. اضافة اعلان
حتى خصوم دحلان، الراغبون في اختفائه من الحياة السياسية، رفض بعضهم طريقة محاكمته، لأسباب تتعلق بموضوع الحصانة، وغير ذلك من الملابسات والإشكاليات القانونية والإجرائية.
جاء قرار المحكمة عقب أيام من التسريبات والإشارات المبهمة عن أن شيئا يحدث في الكواليس. فمثلا، لاحظ مراقبون تغير خطاب بعض مواقع الإنترنت القريبة من دحلان، بشأن طريقة تقديم الأخبار الخاصة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس. كما صدرت في قطاع غزة مبادرات تتحدث عن استعادة وحدة الحركة هناك. وبحسب صحفيين مطّلعين مقيمين في القطاع، فإنهم لاحظوا أنّ من ينشر هذه الأخبار وغيرها من التسريبات قريبون من دحلان، وينشرون أخباراً عن وساطة إقليمية للوصول إلى مصالحة بين دحلان والرئيس عبّاس.
هناك سلسلة ملابسات تتعلق بقضية دحلان، منذ بدء إقصائه من حركة "فتح"، تحتاج إلى وقفات، ومتابعات سياسية وقانونية. وقرار المحكمة الأخير لا يلغي كل ذلك.
ما أثير داخل حركة "فتح" بشأن دحلان، يتعلق بكثير من الاتهامات في مرحلة ما قبل سيطرة حركة "حماس" بالقوة على القطاع. وبالتالي، فإنّ هذا يثير، أولاً، تساؤلاً حول الملابسات السياسية التي سمحت بانتخاب دحلان عضواً في اللجنة المركزية لحركة "فتح".
ثانياً، لا يكفي سقوط التهم قضائياً بداعي الحصانة لإسقاط التهم والتساؤل شعبياً وسياسياً، كما لا يلغي المطالبة باستمرار المتابعة القانونية. إذ ما دامت الاتهامات صدرت عن أعلى مرجعيات سياسية فلسطينية، فالأصل أن يتم الأمر وفق مقاربة التهم قانونياً بالطريقة الصحيحة، من خلال مناقشة رفع أو عدم رفع الحصانة في المجلس التشريعي، أو إذا كان القانون يسمح بالمتابعة بعد حل المجلس الراهن، فإنّ هذا قد يكون مقاربة أخرى. وفي حالات مشابهة، قد نجد السياسي هو الذي يسعى للمحاكمة، وقد يتبرع بالتخلي عن الحصانة، إن كان هذا مسموحاً، ليضمن أن لا تشوب سيرته اتهامات من أي نوع.
ثالثاً، يؤكد محمد دحلان أنّه يسعى إلى الترشح لمواقع سياسية فلسطينية عليا، من ضمنها الرئاسة الفلسطينية. والسؤال: هل يمكن أن يحدث هذا، وهل من مصلحته هو أن يحدث ذلك من دون حسم التهم السياسية والقانونية في الدوائر المختصة؟
لا يوجد حتى الآن شيء رسمي من قبل القيادة الفلسطينية الرسمية وأوساطها، وأوساط حركة "فتح". وقد اجتمعت اللجنة المركزية للحركة في يوم القرار ذاته، وفي القرارات السبعة الصادرة عن الاجتماع، والمعلنة للإعلام، لا يوجد ما يتعلق بدحلان.
نوقشت التهم الموجهة لدحلان سياسياً في دوائر المحاسبة السياسية، داخل حركة "فتح". والقرار الحالي القضائي لا يلغي مثلا قرارات حركة "فتح" بشأن عضوية دحلان، وإن كان مبررا القول إنّ النظام الأساسي للحركة بحاجة إلى التدقيق أيضاً للحكم على سلامة إجراءات الإقصاء. وبكل الأحوال، ستبقى التهم موجودة من الناحية السياسية وستبقى متداولة، إلى حين حسمها قضائياً، أو تشريعياً (في المجلس التشريعي). والخطابات المتلفزة وغير المتلفزة للقيادات الفلسطينية التي وثقت ووجهت التهم موجودة، وكذلك هجوم دحلان المعاكس بشأنها. وعلى عاتق القيادة السياسية متابعة الملف قانونياً.
ليس من مصلحة أحد في الساحة الفلسطينية، بمن في ذلك دحلان نفسه، أن لا تجري متابعة ملف الاتهامات؛ سياسيا وتشريعيا وقانونيا، ولكن وفق إجراءات سليمة مدروسة.