بعد قنبلة خدّام

تركت تصريحات خدّام دويّا مزلزلا، وهو إن لم يقُل بعد كل ما عنده فقد افرغ نواب مجلس الشعب السوري كل ما يقدرون عليه ولم يدّخروا تهمة او نعتا او شتيمة بحق من كان الرجل الثاني (نائب رئيس الجمهورية) زمن الرئيس حافظ الاسد، مذكّرين بوقائع قديمة ومشينة بحق الرجل في سياق الطعن بمصداقيته.

اضافة اعلان

الرأي العام العربي لا يرى خدام ملاكا الان، فماضيه هو ماضي النظام بكل ما فيه، وكل ما يدينه (من قمع وبطش وفساد) يدين النظام. لكن الرجل بدأ يفقد مكانته مبكرا مع بدء العهد الجديد ولم يعد طرفا في السياسات الاخيرة بما فيها الشأن اللبناني ابتداء بالتمديد للرئيس لحّود. ومن الواضح انه لم يكن راضيا عن ذلك المسار، وفي حزيران الماضي ترك مناصبه الحزبية والسياسية.

اهمية شهادة خدام انها الاولى من شخصيّة بهذا المستوى من داخل النظام تؤكد معلومات ووقائع خطيرة تؤيد ما كان معلوما من تعامل رستم غزالة والقيادة السورية مع لبنان. وربما الواقعة الجديدة التي حكاها خدّام ان ثمّة جلسة اخرى سابقة على تلك التي تحدّث عنها تقرير ميليس اسمع فيها الاسد الحريري كلاما شديد القسوة وتهديدا لدرجة ان انفه نزف من ارتفاع ضغط الدم، وان خدّام اقترح عليه لاحقا مغادرة لبنان حفاضظا على حياته. والمعلومة الثانية تتصل بحصول غزالة على 35 مليون دولار من بنك المدينة الذي يخضع الان لتحقيق قضائي، وكما هو معلوم فقد تعرض قاضي التحقيق في هذه القضية الى محاولات اغتيال آخرها قبل اربعة ايام.

نكتب الان قبل الاستماع الى بقية مقابلة خدّام التي ستبث على العربية هذه الليلة (أمس). لكن ما سمعناه يكفي للقول اننا امام انعطافة مزلزلة بالنسبة للنظام، وان الردّ العنيف من مجلس الشعب الذي طالب بمحاكمته بتهمة الخيانة العظمى لا يجدي كثيرا كما كان الردّ على تقرير ميليس بالمظاهرات وعريضة الـ 3 ملايين التي تم جمعها باسم الشعب السوري.

يمكن اتهام خدّام بالتواطؤ مع الاميركيين، ويمكن التأليب عليه بشتّى الوسائل لكن هذا لن يفيد النظام. مسار التحقيق هو سيّد الموقف والقرار دوليا. وقد تأخرت سورية كثيرا جدا بل ذهبت بالاتجاه المعاكس للإصلاح في علاقتها بلبنان كما في التغيير الداخلي، وبعد انتحار كنعان يأتي انشقاق خدّام ليزيد مأزق النظام عمقا. والنظام - كما يبدو- يتجه نحو المزيد من التقوقع الدفاعي والتشدد بدل ان يبحث عن طريق مختلف (الطريق الذي طالما نادينا به للعراق قبل الحرب) وتطالب به المعارضة الوطنية السورية الان؛ أي الديمقراطية والمصالحة الداخلية والتخلي عن احتكار السلطة. هل فات الوقت على هذا الخيار؟ هذه مشكلة النظام مع نفسه فان كان بريئا من دم الحريري فليس لديه ما يخشاه ابدا من هذا التحول.

[email protected]