بعض الإسرائيليين يعارضون سياسات نتنياهو أيضا

نتنياهو يجيش البيت الأبيض لخوض حروبه، بريشة الفنان البرازيلي لطّوف - (أرشيفية)
نتنياهو يجيش البيت الأبيض لخوض حروبه، بريشة الفنان البرازيلي لطّوف - (أرشيفية)

روبرت باري *
 (ميدل إيست أونلاين) 2/5/2012

 ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

اضافة اعلان

ربما يكون القراء الاعتياديون لأخبار وسائل الإعلام السائد الأميركي قد اندهشوا في الأيام العديدة الماضية عندما علموا بأن عدداً من الإسرائيليين المرموقين لا يتفقون مع تقييم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتهديد الإيراني. ويمكن فهم تلك الصدمة العامة نظراً لأن المنافذ الإخبارية الأميركية البارزة، وكذلك الكونغرس الأميركي، لم يفعلوا سوى القليل غير ترديد مواقف نتنياهو وامتداحها والإطراء عليها.
وعلى نحو يشبه كثيراً ذلك النمط الذي كان سائداً قبل حرب العراق -عندما ساعدت وسائل الأخبار الأميركية الرئيس جورج دبليو بوش في تضليل معظم الأميركيين، وحملهم على الاعتقاد بأن العراق كان يتوافر على أسلحة الدمار الشامل وبأنه كان منخرطاً في هجمات 11/9— نرى صحافة الاتجاه السائد وقد تركت الآن قطاعات ضخمة من المواطنين يعتقدون بأن إيران تتوافر أصلاً على قنبلة نووية، أو أنها تغذ الخطى في العمل على امتلاك واحدة، ومع خطط لاستخدامها ضد إسرائيل.
 وعندما تحدت بعض الكتب والمقالات ومواقع الأخبار المستقلة هذه اللازمة القديمة -ملاحظة أن الحقائق الفعلية لا تدعم وجهة النظر المنذرة من إيران- فإننا واجهنا هجمات بشعة، اشتملت على اتهامات بمعاداة السامية، واستهدفت تقويض صدقية المعلومات. ولذلك، فإنه كان مخيفاً بالنسبة للعديد من الأميركيين على الأرجح، وعلى مدار الأسبوع الماضي، عندما عرض أناس جادون كانوا قد عملوا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تقييمات مشابهة.
وعلى سبيل المثال، قال رئيس الأركان الإسرائيلي اللفتنانت جنرال بني غانتز، إنه يشك بأن إيران ستغذ الخطى قدما نحو بناء قنبلة نووية، وهو ما قرب غانتز أكثر إلى خط المحللين في مجموعة الاستخبارات الأميركية الذين ما انفكوا يقولون منذ العام 2007 بأن إيران قد توقفت عن العمل في برنامجها للأسلحة النووية منذ العام 2003، وبأنها لم تستأنفه.
وفي مقابلة مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قال غانتز إن قادة إيران هم "أناس متعقلون جداً" ولم يتخذوا قراراً ببناء قنبلة نووية. مشيراً إلى الزعيم الديني الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، قال غانتز: "أعتقد بأنه سيرتكب خطأً جسيماً، ولا أعتقد بأنه سيريد الذهاب إلى قطع الميل الإضافي".
وعلى العكس من ذلك، يستمر نتنياهو في تصعيد نبرة خطابه الحربي، فتراه تارة يحذر من محرقة "هولوكوست" أخرى إن لم يتم إعطاب المرافق النووية في إيران عنوة، وتراه طوراً يجادل في الجدوى من مشاركة إيران في المباحثات المتعددة الأطراف التي تستهدف إبقاء برنامجها النووي، الذي تصر إيران على أنه سلمي المقاصد، عند تلبية تلك المقاصد وحسب.
وقال نتنياهو لشبكة التلفزة الأميركية، (سي إن إن): "إن أجهزة الطرد المركزي.. كانت تدور قبل بدء المباحثات مؤخراً، وهي تدور فيما نحن نتكلم".
لكن تعليقات غانتز أتبعت يوم الجمعة الماضي بالمزيد من الانتقادات الموجهة لنتنياهو من يوفال ديسكين، الذي تقاعد مؤخراً من منصبه كرئيس لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، الشين بيت. وقد اتهم رئيس الوزراء "بتضليل الجمهور" في ما يتصل بأرجحية فعالية القصف الإسرائيلي الوقائي للمنشآت النووية في إيران.
وفي إشارة لتصوير نتنياهو نفسه على أنه "المخلص"، قال ديسكين إنه لم يكن لديه "أي اعتقاد" في قدرة الزعامة الحالية في إسرائيل على معالجة الأزمة". وأضاف: "ولا أومن بقيادة تتخذ القرار استناداً إلى مشاعر مشيخانية". وهو انتقاد طبقه ديسكين أيضاً على معالجة إسرائيل للصراع الفلسطيني الذي ينخرط فيه جهاز الشين بيت على نحو معمق. وقال: "إنني أخشى كثيراً جداً أن لا يكون هؤلاء هم الناس الذين أريد لهم أن يكونوا في مركز القيادة".
 مقاطعة كلمة أولمرت بالأسئلة
ثم، يوم الأحد، أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بدلوه من خلال انتقاد وجهه في مؤتمر في نيويورك عقد برعاية صحيفة الجيروساليم بوست. واتهم نتنياهو بعدم احترام الرئيس باراك أوباما وبعدم احترام المجتمع الدولي.
وبينما ضايقته كثرة الأسئلة التي وجهها حشد من المؤيدين لنتنياهو -الذين هتفوا "ساذج" و"تشامبرلين الجديد"، دافع أولميرت عن أوباما باعتباره "صديق إسرائيل" الذي يستحق الاحترام. ووسط هتافات استهجان من الجمهور، تندر أولميرت قائلاً: "أستطيع أن أرى أن هذه القاعة تغص بالديمقراطيين".
 ثم أمطر أولميرت بالمزيد من صيحات الاستهجان والازدراء عندما دعا إسرائيل وداعميها إلى العمل مع الولايات المتحدة والمجموعة الدولية في جهود وقف البرنامج النووي الإيراني، وفقاً لما ذكرته صحيفة النيويورك تايمز. وقد رد اولميرت المشوش والقلق بالقول: "كمواطن إسرائيلي مهتم يعيش في دولة إسرائيل مع عائلته وكل أبنائه وأحفاده، فإنني أحب كثيراً جداً شجاعة أولئك الذين يعيشون على بعد 10000 ميل بعيداً عن دولة إسرائيل، ويبدون رغبتهم بأن نرتكب كل خطأ ممكن يمكن أن يكلفنا أرواح الإسرائيليين".
وفي مقابلة لاحقة، قال اولميرت: "إن أميركا ليست دولة وكيلة لإسرائيل، فلماذا يتوجب علينا وضع أميركا حيث يجري تأويل كل ما تفعله على أنه انصياع لأوامر تأتي من القدس؟".
كما انتقد أولميرت أيضاً نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك على مقارنتهما إيران بألمانيا النازية. وقال: "إنهما يتحدثان كثيراً جداً. ويتحدثان بصوت عالٍ جداً". وأضاف: "إنهما يخلقان جوا وزخماً قد يفلت من زمام سيطرتهما".
وتشير المعاملة الوقحة التي تلقاها أولميرت في مؤتمر نيويورك -واستعداد المحافظين الجدد الأميركيين لوصم الأميركيين المشككين بوجاهة الحرب مع إيران بأنهم "معادون للسامية"، إلى أن نتنياهو نجح أصلاً في حشد مؤيديه الأميركيين للانخراط في حمى حرب أخرى.
لكن التقارير الجديدة عن الاستياء الصادرة من داخل الرتب العالية في الحكومة الإسرائيلية تكشف عن شيء آخر شهدته أنا شخصياً خلال رحلاتي المتكررة إلى إسرائيل في أوائل التسعينيات (من القرن الماضي)، حيث غالباً ما يكون هناك نقاش أمين وقوي حول السياسات الإسرائيلية داخل إسرائيل أكثر بكثير مما يجري داخل الولايات المتحدة حيث تتم شيطنة الانتقادات في غالب الحالات.
 ومع ذلك، وبينما قد تؤتي الهجمات البشعة التشهيرية أكلها بشكل جيد لضمان أن يظل معظم صناع السياسة الأميركيين ثابتين في مواقفهم خلف إسرائيل، فإن التكتيكات يمكن أن تثبت أنها خطيرة على المصالح الأميركية -والإسرائيلية- من خلال إقناع المتشددين مثل نتنياهو بأنهم يستطيعون فرض ملامح السياسة الأميركية متى ما رغبوا في ذلك.
المُحاضرة على أوباما
على سبيل المثال، في أيار (مايو) من العام 2011 جلس نتنياهو في المكتب البيضاوي وألقى محاضرة على أوباما حول الكيفية التي يجب عليه النظر من خلالها إلى الصراع مع الفلسطينيين، وحالات التوتر الأخرى في الشرق الأوسط. وقد وبخ نتنياهو أوباما على اقتراحه بأن تتخذ مفاوضات السلام مع الفلسطينيين حدود العام 1967 كنقطة انطلاق، مع مقايضات في الأراضي من الجانبين.
ومع أن أوباما كان قد دعا على وجه التحديد إلى تبادل الأراضي، فإن نتنياهو قال له إن إسرائيل "لا تستطيع العودة إلى حدود العام 1967... لأن هذه الحدود غير قابلة للدفاع عنها. وهي لا تأخذ بعين الاعتبار تغيرات معينة حصلت على الأرض، تغيرات ديموغرافية تمت على مدار الأعوام الـ 44 الماضية".  وبكلمات أخرى، يصر الليكود الذي يقف الآن كرأس الحربة في الدفع باتجاه نقل مئات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين إلى داخل ما كانت أراضي فلسطينية في الضفة الغربية، يصر على أن وضع تلك المستوطنات قد ألغى قيمة حدود العام 1967، وهي الحدود الإسرائيلية المعترف بها دولياً. وبعد تقريعه لأوباما، توجه نتنياهو إلى الكابيتول هيل (الكونغرس) ليلقى استقبال الأبطال من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، والذين تباروا على من يستطيع أن يقفز له على أقدامه أسرع ما يكون ودائماً. وقد أشّر السلوك المتملق والذليل أمام نتنياهو أن لإسرائيل اليد الحرة لعمل ما يحلو لها، حتى لو عنى ذلك عصيان أوباما.
وقد لقي نتنياهو الإطراء عندما أشار إلى النزعة القومية الدينية التي تعتمد على السلطة التوراتية في إثبات حق إسرائيل في امتلاك الضفة الغربية، حيث يعيش ملايين الفلسطينيين. ومسمياً المنطقة بأسمائها التوراتية، أعلن نتنياهو: "في يهودا والسامرة لا يعد الشعب اليهودي قوة احتلال أجنبية".
ومع أن نتنياهو قال إنه مستعد لتقديم تنازلات مؤلمة من أجل السلام، بما في ذلك تسليم بعض "مواطن الأسلاف اليهود،" فإن نبرته القتالية أشارت إلى أنه يتحرك نزولاً في الطريق إلى الضم الذي كان نائب زعيم الليكود داني دانون قد حدده في مقال رئيسي في صحيفة النيويورك تايمز قبل رحلة نتنياهو.
وقال دانون إنه إذا سعى الفلسطينيون إلى الحصول على اعتراف من الأمم المتحدة بدولتهم الخاصة في الضفة الغربية، والتي عملوا من أجلها، فعندها يجب على إسرائيل ضم المنطقة. وكتب قائلاً: "نستطيع عندها بسط الصلاحية الإسرائيلية الكاملة على التجمعات اليهودية (أي المستوطنات) والأراضي غير المسكونة في الضفة الغربية".
أما البلدان والمدن الفلسطينية، فستصبح نسخاً مصغرة عن غزة، وفق خطة دانون، مقطوعة عن العالم ومعزولة كجيوب لا تنطوي على أي وضع قانوني. وكتب دانون "وبالإضافة إلى ذلك، فإننا سنكون في وضع جيد في إطار حقوقنا للتأكيد، كما فعلنا في غزة بعد فك الارتباط في العام 2005، على أننا لم نعد مسؤولين عن السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، والذين سيستمرون في العيش في بلداتهم الخاصة -غير المضمومة".
وعبر استبعاد هذه الجيتوهات الفلسطينية، سيظل اليهود يحتفظون بالأغلبية في إسرائيل الكبرى بموجب خطة دانون. وقال: "لن يكون لدى هؤلاء الفلسطينيين خيار أن يصبحوا مواطنين إسرائيليين. وبذلك يتم تجنب التهديد الموجه لوضع إسرائيل اليهودي والديمقراطي من خلال وجود سكان فلسطينيين تنمو أعدادهم".
 وبكلمات أخرى، يرسم الحق الإسرائيلي نهجاً باتجاه نظام فصل عنصري بحكم الأمر الواقع، إن لم يكن تطهيراً عرقياً مباشراً من خلال جعل الحياة بالنسبة للفلسطينيين لا تحتمل، وحملهم على المغادرة بعد انعدام الخيارات أمامهم.
ومع ذلك، تصرّف أعضاء الكونغرس مثل الفقمة المدربة أكثر من تصرفهم كممثلين لأمة تتمتع بالسيادة. وقد تشجع المتشددون في ليكود نتنياهو بحقيقة أن باستطاعتهم الضغط قدماً باتجاه تهميش الفلسطينيين أو باتجاه خوض الحرب مع إيران.
وعلى الرغم من ذلك، أظهر الأسبوع الماضي أن الرئيس أوباما لا يشكل العائق الوحيد لبعض تلك الخطط المتطرفة. وتشير التعليقات الصادرة عن إسرائيليين رفيعين إلى احتمال وجود معارضة كبيرة في داخل المؤسسة السياسية/ العسكرية في إسرائيل نفسها.
*كشف العديد من قصص إيران/كونترا في الثمانينيات من القرن الماضي لصالح الأسوشيتدبرس والنيوزويك. أحدث كتاب له هو "الغوص حتى الرقبة: الرئاسة الكارثية لجورج دبليو بوش".
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان: Some Israelis Resist Netanyahu

[email protected]