بقاء الحكومة أم رحيلها؟

قبل أن يتعافى الأردن من جائحة كورونا، وقبل أن يُغلق ملف المؤامرة الإسرائيلية بضم غور الأردن بدأت الإشاعات تتكاثر عن قرب رحيل حكومة الدكتور عمر الرزاز. إشاعات رحيل الحكومة عادة قديمة يُعيد إنتاجها نُخب و”صالونات” عمّان، وهي ماكينة مصالحها متشابكة، وتمتد إلى مواقع مختلفة في الدولة. على كل حال لا تستمر وتبقى حكومة في الأردن طوال الوقت، والتغيير من أسرار قوة النظام، ولكن ما يستحق أن يُسأل هل آن أوان التغيير فعلا؟، وهل حكومة الرزاز استنفدت كل أوراقها وتعرضت للحرق وصار بقاؤها أكثر كلفة من رحيلها؟ يتصرف الرئيس وكأنه باقٍ في موقعه رئيسا للحكومة، وهذا حق ما دامت الإرادة الملكية لم تصدر بقبول استقالته، واختيار رئيس جديد، ولهذا فإنني لم أنظر للخلوة الوزارية التي عقدها الأسبوع الماضي على أنها من باب استعراض القوة، أو أنها فقط مناكفات لخصوم الحكومة، بل وجدتها تمسكا بالولاية الدستورية، وحقا في أن يُعيد الثقة والاطمئنان لفريقه الذي أربكته الإشاعات وخلقت دائرة من التشويش تُعيق العمل. مهمة الرئيس الرزاز ليست يسيرة، فهو اليوم مُطالب أن يجد حلولا للأزمة الاقتصادية العاصفة بعد جائحة كورونا في وقت يرى 43 % من الأردنيين في استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية أن الوضع الاقتصادي سيكون أسوأ خلال الأشهر الـ12 القادمة. في ظل الحملات التي تستهدف الحكومة، وتنامي الفقر والبطالة، وانسداد الأفق، لا يستفيد الرئيس الرزاز من قناعة 78 % ممن ما يزالون يعتقدون بقدرته على تحمل المسؤولية، ولا بالاحتفاظ بالنسبة العالية من الثقة بالحكومة عموما 72 % رغم تراجعها عن شهر أيار الماضي. بقاء الحكومة ورئيسها مرتبط إلى حد كبير بإجراء الانتخابات البرلمانية، ووفق أكثر التقديرات فإنها ستجرى قبل نهاية العام، وخلال شهري أكتوبر أو نوفمبر القادمين، وإذا ما تم غض النظر عن ضرورة حل البرلمان؛ فإن فرص الحكومة بالمضي لشوط جديد تُصبح واردة أكثر، فقناعتي أن مهام الحكومة لم تنتهِ، والأدوار المطلوبة منها ما تزال قائمة سواء أعجبنا أداؤها أو كنا على الضد منها. تخوض الحكومة معارك على جبهات متعددة، فعدا عن الملف الاقتصادي الشائك، فإنها فتحت ملف مكافحة الفساد والتهرب الضريبي، وهذا أيقظ “عش الدبابير”، والأسماء التي استهدفت ترى أنها تصفية حسابات لأسباب سياسية واقتصادية ولن تسكت، وهذا يُعرّض الرئيس والفريق الوزاري لضربات من تحت الحزام، بعضها يعرفون مصدرها، وكثيرة لن يعرفوا مصدر نيرانها الكثيفة. المؤامرة الإسرائيلية بضم الأراضي الفلسطينية ومنها غور الأردن ملف ثقيل ومؤرق، على الرغم من أن اشتباك الحكومة معه محدود جدا، ومرتبط بالملك ووزير الخارجية؛ إلا أن تداعياته السياسية والأمنية على الأردن خطيرة، وتُهدد مصالحه الوطنية. الاجتماع الحكومي المُطول أو “الخلوة” التي ناقشت خطة تعافي البلاد تُثبت أقدام الحكومة ولو قليلا، وهدأت من روع بعض الوزراء، وأسكتت أيضا وزراء كانوا يشتغلون بالسر والعلن ضد رئيسهم، والأهم أنها سلطت الضوء على سيناريوهات المرحلة القادمة. ستُجرى الانتخابات قبل نهاية العام، وسواء كانت هذه الحكومة أو رحلت، فإن ما نحتاجه إصلاح سياسي يُقوي الجبهة الداخلية، ويجعلنا أكثر قدرة على مواجهة الصعاب السياسية، والرياح الإقليمية العاتية التي يمكن أن تضربنا.اضافة اعلان