بل هو سلوك بدائي أرعن!

يتجاوز صدى جلسة مجلس النواب الأخيرة (يوم الأربعاء الماضي)، في نقاشات الشارع، موضوع الأسعار والشجار وحالة الاستقطاب داخل المجلس، إلى سؤال القيم والأخلاق التي تهشّمت؛ ليس فقط تحت قبة البرلمان، بل وفي الحياة العامة أيضا.اضافة اعلان
بدت جلسة الأربعاء وكأنّها مطرقة سقطت على رأس شريحة واسعة من المجتمع؛ وبتوصيف أكثر دقّة، المثقفين والمتعلمين أو من يمتلكون وعياً اجتماعياً وسياسياً صحيّاً. وهو ما يمكن استنطاقه من خلال ردود الفعل الفورية في العالم الافتراضي وفي الحوارات الاجتماعية، والتي ذهب جلّها إلى ضرورة التمييز وعدم الخلط بين مواقف واعية عقلانية معارضة لقرار رفع الأسعار، وبين أجندات شخصية تعمل في السرّ، إمّا لصالح منافس لرئيس الوزراء، أو نكايةً به، أو استعراضاً رخيصاً مكشوفاً لطلب "الشعبوية" من الشارع.
ردود الفعل التي بدأت، وستتلاحق، هي بمثابة "غضبة" شعبية ضد هذه "الصورة السلبية" التي يراد لها أن تُرسم عنّا بوصفنا شعبا تحكمه الغوغائية، ولا نستحق الديمقراطية. وهي صورة ظالمة لشعب يمتلك نسبة عالية من المتعلمين والمثقفين، ومجتمع متكافل ما يزال يحافظ في علاقاته على قيم محترمة وأصيلة. لكن، إذا كانت هذه الصورة تعكس شيئاً دقيقاً وحيداً، فهو العبث الذي مارسته السياسات الرسمية بالمجتمع ومؤسسات الدولة، وحتى بالقيم!
هو تضامن، إذن، ضد البلطجة تحت قبة البرلمان وفي الشارع وفي الحياة العامة. وهو موقف ضد الإساءة التي تحدث لصورة المجتمع وقيمه وأخلاقه، عبر مجموعة من النواب الذين يركبون خطاباً بدائياً قبيحاً، ويعبّرون عن أسوأ ما في المجتمع لا أفضل ما فيه!
ما حدث تحت قبّة البرلمان هو نتيجة، ليس فقط لقانون الصوت الواحد الذي يمثّل مفتاحاً رئيساً لتفتيت المجتمع وقواه الحيّة وإضعاف مؤسسة البرلمان، بل -أيضاً- لشرعنة البلطجة والاعتداء على القانون والأخلاق والقيم عملياً، عندما يتم التغاضي عنها أو تبريرها، أو حتى اختراعها ضد الخصوم؛ فيصبح مثل هذا السلوك وما يحمله من قيم فاسدة وأمراض ثقافية وفكرية وإنسانية، لدى البعض، سلوكاً شرعياً واقعياً مقبولاً!
حاول رئيس الوزراء، د.عبدالله النسور، أن يخفّف من وقع صورة الجلسة على الناس، فعرّف (في حديثه) ما حدث في الجلسة بوصفه جزءاً من العملية الديمقراطية، "مع بعض الشطط". فلتسمح لي، ومع احترامي وتقديري لما أبديته من سلوك حضاري وأخلاقي، فإن ما حدث ليس جزءاً من العملية الديمقراطية، ولا يعكس ديناميكيتها، ولا يجوز تلبيس الأمور على الأقل لحماية قيم التلاميذ في المدارس، بل هو تشويه للديمقراطية وتشويه لقيمها، ولا يمكن تبريره هكذا!
الحوار له أخلاقه وقيمه، والنقاش في البرلمان يمكن أن يحتد بشأن القضايا السياسية والاقتصادية ومصالح الناس، في الديمقراطيات والبرلمانات الحقيقية، لكنه نقاش سياسي بامتياز، وليس خطاباً فاشلاً، فارغاً من أيّ مضمون حقيقي!
لا يا دولة الرئيس؛ دعنا نسمّي الأمور بأسمائها الصحيحة: ما حدث هو سلوك بدائي أرعن، لم يبدأ تحت القبة، بل ما حدث هو نتيجة طبيعية لتهشيم السلطة الأخلاقية والقيم والثقافة. والصورة بالنسبة لكثير من الأردنيين تدفعهم ليس إلى نفض اليدين من البرلمان، بل الخوف على ما هو أهم بكثير منه!

[email protected]