بيان الأعيان: أكثر من بيان!

البيان الذي أصدره مجلس الأعيان الاثنين الماضي عقب جلسة غير رسمية، دعا لها رئيس المجلس لمناقشة خطاب جلالة الملك بمناسبة الأعياد الوطنية، أكثر من بيان. فهو أقرب إلى المرافعة، التي تتبنى وتدافع عن مضامين الخطاب الملكي، وتوغل في شرح التفاصيل وتسهب في إظهار المعاني والدلالات.

اضافة اعلان

فجاء النص طويلا (نصف صفحة جريدة)، غير مألوف بإسهابه وتفاصيله، بعيدا عن لغة المديح والثناء والإشادة الإنشائية والعموميات التي لا تقول شيئا. البيان- المرافعة يخاطب الحكومة والرأي العام معا من موقع "مستقل". ولا يقوم "بواجب" بروتوكولي، كصدى "رسمي" لخطاب ملكي.

ليس من الصعب أن يستنتج القارئ المتابع بأن لغة البيان وأسلوبه ومضامينه، وفكرته وأهدافه، هي من صنيعة رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري، ويخال المرء "أبو نشأت" يشرح نفسه، ويرى في الخطاب الملكي انتصارا لمدرسة "الولاء والانتماء" التي ينتمي إليها.

وقد دخل البيان من الباب الواسع في الجدل الوطني الذي دار خلال الأشهر الماضية. وهو يحمل مرارة "محاولات التلاعب بعناصر الأسرة الواحدة المتحابة وتتضح تلك المحاولات، بالدراسات والندوات والكتابات وبالتعليقات على ما ينشر على المواقع الالكترونية"، كما جاء نصا في البيان.

يقدم البيان- المرافعة شرحا مسهبا لمفاهيم الوحدة الوطنية والمواطنة وهيبة الدولة والعشيرة ودور الأجهزة الأمنية والقضية الفلسطينية، بمنطوق وطني ديمقراطي مميز، يستند إلى مفاهيم الدولة المدنية العصرية الحديثة، التي تقوم على المواطنة كأساس وعلى المؤسسية وسيادة القانون والمساواة وتكافؤ الفرص كأسلوب حكم. وهو بذلك - أي البيان- يستحق أن يكون وثيقة وطنية ومرجعية.

يضع البيان مطالب واضحة أمام الحكومة للقيام بواجبها للتصدي للانحرافات التي تضر بالوحدة الوطنية، وأشكال التطاول على الدولة، داعيا إلى "الحاجة الماسة لوضع تشريعات مناسبة واتخاذ إجراءات تنفيذية فاعلة، تردع كل تجاوز على النظام العام ومنفذيه، وتفرض الهيبة العامة، بإحالة كل مخالف إلى القضاء، بغض النظر عن أي عوامل قد تؤثر في تنفيذ القانون، فالكل سواسية ولا أحد فوق القانون".

ولم يكتف البيان بهذا النقد المبطن لسلوك الحكومات، بل ذهب أكثر من ذلك. عندما دعا "التنفيذيين" بلغة واضحة "أن يتصفوا بالعدالة في تطبيق التشريعات وأن يعاملوا الناس بالمساواة، التي تحفظ كرامتهم. وعلى مؤسساتهم أن تراقب ذلك وأن تحيل من يتجاوز مبادئ العدالة والمساواة الى القضاء المختص". فنحن هنا أمام لغة نقدية غير مألوفة تحاكي ممارسات معلومة للرأى العام.

لغة البيان ومضامينه لم تكن هي نفسها لغة الأعيان الذين تكلموا في الجلسة، فالغالبية العظمى من المداخلات ركزت على "المديح والثناء والإشادة" بالخطاب الملكي. بيان مجلس الأعيان أعاد للمجلس دوره الدستوري المأمول كسلطة مستقلة تعنى بالرقابة والتشريع.

[email protected]