بيت علي الكردي: مكانا كان عامرا بالناس والحياة شهد تاريخ المدينة وتطورها (فيديو)

جانب من بيت علي الكردي الذي يقع في شارع السعادة وسط البلد بجانب المسجد الحسيني - (تصوير: ساهر قداره)
جانب من بيت علي الكردي الذي يقع في شارع السعادة وسط البلد بجانب المسجد الحسيني - (تصوير: ساهر قداره)

غيداء حمودة

عمان- هو أحد بيوت عمان الذي كان عامرا بالناس والحياة لم يكن يخلو من الزوار في شارع السعادة قرب الجامع الحسيني وبقي شاهدا على تاريخ المدينة وتطور حياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
بناه الحاج علي محمد الكردي الذي قدم هو وأخوه في حوالي العام 1886 إلى عمان من مدينة أورفا في تركيا، على إثر قصة ثأر بين قبيلته في تركيا وقبيلة أخرى، وتعلم العربية عند البدو، وكبر في عمان ليصبح أحد وجهائها.

اضافة اعلان

بتكون البيت من جزأين متقابلين، الأول تحول ليكون أول محكمة شرعية في عمان ومن بعدها أول فندق: فندق الملك غازي وبني في العام 1918، وبعد ذلك بأعوام قليلة، بنى الحاج علي بيته مقابل الفندق تماما، وسكنه هو وعائلته المكونة من 18 شخصا؛ فقد كان متزوجا من اثنتين، ولديه خمسة أولاد وأربع بنات، بالإضافة إلى أن بعض زوجات أبنائه سكنّ معهم في البيت.
كان الحاج علي محمد الكردي رجلا حكيما يصلح بين الناس، كما كان صديقا لأهل المدينة. عمل في تجارة الحلال، وكان أحد متعهدي مد خط سكة الحجاز.
في ذلك الزمن كان الناس يسكنون قرب مكان عملهم، لذلك كانت اسطبلات الحاج علي تقع في الطابق السفلي من البيت، والتي أصبحت فيما بعد مخازن، أما اليوم فهي محلات تجارية في الشارع.
يرتبط البيت بتاريخ المدينة، حيث شهد بداية التجمعات السكانية في منطقة وسط البلد، ونشوء طبقة التجار الذين أتوا إلى عمان من خلفيات وجنسيات عدة، فضلا عن أحداث سياسية، كونه جزءا نابضا من حياة المدينة الاجتماعية.
 ووفق حفيدة الحاج علي لمياء الراعي فقد كان أعضاء تجمع لمقاومة الاستعمار الإنجليزي في ثلاثينيات القرن الماضي يجتمعون في الفندق كل يوم أربعاء، وكانوا يجمعون النقود ويرسلونها إلى فلسطين.
وكان شارع السعادة، الذي يقع فيه البيت، حافلا باحتفالات المولد النبوي، وموكب الملك عبدالله الأول عندما كان يأتي للصلاة في الجامع الحسيني، فضلا عن أنه شهد اللقاءات السياسية والمظاهرات طوال أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي.
أيضا كان القومي العربي عبدالرحمن شقير، الذي تربطه علاقة نسب بآل الكردي، يهتف من سطح البيت ويخاطب الناس من هناك وقت المظاهرات.
البيت شهد أيضا تاريخ عائلة الكردي الممتد في المجال السياسي والاجتماعي والثقافي؛ فمثلا كان ابن الحاج علي عبدالرحمن أول من أسس دار نشر في عمان تحت اسم "الأردن الجديد". 
ويقال إنه في العام 1921 سلمت الحامية التركية سلاحها في احدى أقسام هذا البيت، حتى أنه كان هنالك من  بين الحامية التركية رجل أثيوبي عرف الحاج علي الكردي أنه ابن أمير في أثيوبيا، فأرسله إلى أهله ومعه مونة وأوصى به. 
في العام 1927 تم تأجير الجزء الأول من البيت لحكومة إمارة شرق الأردن ليكون أول محكمة أقيمت في عمان. وانتقلت المحكمة إلى مكان آخر في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، ليصبح بعدها هذا الجزء فندق الملك غازي؛ أول فندق في عمان، وسمي بفندق الملك غازي تخليدا له خاصة وأن العامة اعتقدت حينها أن الإنجليز قاموا بقتل الملك غازي.
وكان الفندق يستقبل المسافرين من الرجال، أما النساء، فكن في ضيافة بيت الحاج علي. 
قبل أن يصبح هذا الجزء فندقا، كان مضافة لزوار وضيوف الحاج علي، يعج بالناس طوال الوقت.
كان الفندق يستضيف شخصيات عديدة، من ضيوف الملك عبدالله الأول، وضيوف كلوب باشا، والشاعر مصطفى وهبي التل "عرار"، كما كان السياسي هزاع المجالي- الذي شكل الحكومة أول مرة العام 1955- يزوره باستمرار.
وبحسب لمياء الراعي، فقد كان إيجار الغرفة في الفندق تلك الأيام 5 قروش فقط.
في خمسينيات القرن الماضي تولى محمد مفلح الزعبي ادارة الفندق حتى العام 2011.
يتكون مبنى الفندق من غرفة رئيسية وحمامين و12 غرفة. أما البيت المقابل له الذي سكنه الحاج علي وعائلته، فيتكون من 3 غرف أمامية وغرفتين في الخلف وقاعة في الوسط وأرض الديار، وتم بناء البيت من حجارة نابلس، كما تم جلب البنائين من نابلس وقتها.
بعدما اكتظت المنطقة في خمسينيات القرن الماضي، ترك الحاج علي وجزء من أولاده البيت وانتقلوا للسكن في مناطق عديدة باللويبدة، وتم استخدام البيت بعد وفاة الحاج كمكاتب لأولاده، وتحول إلى مطبعة، وهجر لفترة طويلة، كما استخدمه حفيد الحاج علي سامر الكردي كمرسم له مدة 4 سنوات.   
كان هاجس ترميم البيت يراود الرسام سامر دائما، إلى أن تمكن من ترميمه العام الماضي والتي أشرفت عليه مؤسسة الحمى للحفاظ على الإرث الطبيعي والانساني.
ووفق سامر، فقد كانت 70 % من أعمال الترميم تخص السقف الذي كان مهترئا ويسرب الماء. خلال أعمال الترميم قاموا بإزالة تراكمات عشرات السنوات، ووضع شبكة حديدية واستخدام صبة جديدة وعزلها.
أما في منطقة أرض الديار فقد تم إزالة السقف، وتضمنت أعمال الترميم إعادة 70 % من مساحتها.
الجزء الثاني من أعمال الترميم كان له علاقة بالشبابيك والأبواب، حيث تمت الاستعانة بنجار دمشقي له خبرة في هذا المجال.
أيضا تمت إزالة دهان كان موجودا على الحجر، واضطر العاملون على قذف الحجارة بالرمل ليتمكنوا من إزالة الدهان.
 وعن ذكريات البيت، تستذكر ابنة الحاج علي: سعاد الكردي كيف كان البيت نابضا بالحياة والناس، وتقول "لم يكن يخلو البيت من الزوار، وكنا نأكل مع الضيوف ونقدم لهم القهوة، حتى أننا كنا نستهلك كيلو قهوة كل يوم".
وتضيف "كانت المحبة تعم البيت وتعم بين الناس" ومع أن عدد سكان البيت كان كبيرا، ومع وجود ضرتين فيه، إلا أن ذلك "لم يكن مشكلة على الإطلاق، فحتى أن الضرتين كانتا متحابتين".
وتقول "لم تكن هناك حديقة للبيت، لكنه كان مليئا بالمزروعات التي كانت تزرع في براميل" من ياسمين وأرطاسيا وورد وفل وغيرها.
وتضيف أنهم كانوا في شهر نيسان يحضرون مونة العام من زيتون ومكدوس ولبنة وغيرهم من المواد الغذائية، حيث "كل شيء كان يحضر في البيت". وتضيف "لا يمكن لشخص أن يتخيل كم كانت الحياة حلوة في ذلك الزمان".
وتبين أن والدها، الحاج علي، كان كريما ومتفتحا، يحب الحياة، ما انعكس على حياتهم بشكل كبير.
اليوم، بعد أن رمم البيت، تمت استضافة مبادرة ثقافية فنية تحت اسم "جلسات الربيع" في ربيع العام الماضي، كما تمت استضافة أكثر من معرض فني.
ويفكر سامر في تحويل البيت إلى مكان ثقافي بشكل يحافظ على تاريخه وروح المدينة في نفس الوقت.

[email protected]