بيع بيت العائلة.. مشاعر تتشابك ما بين الحزن والحنين

بيع بيت العائلة.. مشاعر تتشابك ما بين الحزن والحنين -(تعبيرية)
بيع بيت العائلة.. مشاعر تتشابك ما بين الحزن والحنين -(تعبيرية)

تغريد السعايدة

عمان- بعد أن أجبرتها الظروف "طوعاً" على بيع بيتها، إلا أن أم نادر تشعر بالحزن لأن ما يباع هو "جزء كبير من زوايا عاشت فيها أجمل أيامها ولحظاتها، واختبرت فيها ذكرياتها" الذي ضمها وعائلتها الصغيرة، حتى أصبحت "أسرة كبيرة".اضافة اعلان
وتقول أم نادر انها لظروفٍ ما اضطرت إلى أن تعرض بيت العائلة للبيع من أجل الانتقال إلى إحدى الدول الأخرى، إلا أنها "تشعر بخيبة وحزن شديد على هذه الخطوة"، فهي لم ترغب بذلك في الماضي، إلا أنها وباتفاق مع عائلتها قرروا بيع البيت، بما فيه من أثاث منزلي كامل.
وتضيف أم نادر "منذ ما يزيد على الخمسة عشر عاماً سكنت وزوجي في هذا البيت وعملنا على تنسيق أدق التفاصيل فيه"، وذلك للعيش فيه إلى باقي العمر، إلا أن السفر والانتقال إلى دولة أخرى، جعلهم يبيعون البيت، وما زاد من حزنها أنها ستبيع الأثاث ومحتويات البيت جميعها، وهي التي انتقتها بكل دقة.
وتتحدث أم رامي عن المشاعر المتضاربة التي شعرت بها بعد أن اضطرت إلى بيع بيتها الذي قضت فيه ما يقارب خمسة وعشرين عاماً، إلا أنها وزوجها قررو شراء شقة سكنية بعد أن تزوج ابناؤهم الاربعة، ولوجود بيتهم القديم في أحد الأحياء "الشعبية"، ولحاجتهم إلى مساحة أوسع بعد تواجد الأحفاد في معظم الأوقات.
وتصف أم رامي ما دار في خلدها آنذاك، وتقول "عندما قررنا شراء البيت كانت سعادتي غامرة"، إلا أن تلك السعادة تبددت عندما بدأت العائلة بنقل محتويات المنزل إلى الشقة الجديدة، وهنا شعرت بحزن عميق على ذلك البيت الذي احتواها منذ أول يوم تزوجت فيه، وأنجبت فيه أبناءها ونجحوا فيه وتزوجوا.
من جهته، يرى اختصاصي علم النفس السلوكي خليل أبو زناد أن الحالة التي قد يمر بها مثل هؤلاء الأشخاص هي وضع طبيعي ووارد جداً احتمال حدوث حالات من الحزن قد تتطور لدى البعض لتشكل نوعا من "الاكتئاب"، وهذا ما تم ملاحظته من خلال وجود بعض الحالات التي تُراجع الطبيب لتتحدث عن حالات الاكتئاب لما بعد الانتقال إلى بيت جديد، بحسب ابو زناد.
ويعتبر بيت العائلة من الحيثيات التي يتحدث فيها عادةً اليافعون وكبار السن، عند الحديث عن الذكريات الجميلة، وعن الماضي الجميل الذي ضم أفراد العائلة لسنين طوال، حيث يقيم الشخص مع والديه واخوته، ويتفرقون عند الزواج أو السفر. ويقول الستيني حسين ياسين إنه ما يزال يشعر بالحنين لبيت العائلة الذي باعه وإخوته بعد وفاة والديه.
"كنت أتمنى أن يبقى البيت حتى بعد وفاة والدي حتى نجتمع فيه ونزوره بين الحين والآخر"، يقول ياسين إن عدم وجود الوقت الكافي لذلك جعله وإخوته يقررون بيع البيت حتى لا يبقى مكاناً مهجوراً، خاصةً وأن معظم البيوت التي كانت تحيط بهم تم هدمها وبناء عمارات سكنية جديدة.
ويشعر ياسين بالأسى على البيوت العائلية التي تُباع لأحد الأشخاص الغريبين، حيث يتملك الإنسان شعور بالأسى على زوايا بيت تراكمت فيه ذكرات الطفولة والشباب، والحنين إلى الوالدين اللذين ارتباطا ببت العائلة.
غير أن ياسين وبعد ما اختبره من مشاعر سلبية بعد بيع البيت، ينصح العائلات التي تستطيع، أن "تُبقي منزل العائلة كتجمع للأبناء وبمثابة مضافة للعائلة لتقيم فيها مناسباتها".
ومن العوامل التي قد تساهم في حدوث حالات الاكتئاب أو الحزن لبيع البيت، يقول أبو زناد إن الشخص الذي يتعود على أجواء بيتية معينة وبجيران وأشخاص يعيشون معه أو حوله في ذلك البيت، وعندما يبيع بيته يضطر للتخلي عن تلك الأمور، هي من الأسباب التي تسهم بحد كبير في أن يضع نفسه في قالب من الحزن والحنين.
إلا أن أبو زناد يؤكد أن تلك العملية النفسية عادةً ما تكون "مؤقتة ولا تدوم طويلاً عند الأشخاص الطبيعين"، فهي ردة فعل ذاتية ومتوقعة، ففقدان البيت وخاصة عن طريق بيعه وعدم العودة إليه سواءً بشكل طوعي أو كرهاً هو سبب قوي "للحنين والحزن في ذات الوقت".
وعلى الرغم من فرحتها بالبيت الجديد منذ سنتين، إلا أن سهير يوسف ما تزال تعيش حالة من الحنين لبيتها القديم الذي ما لبثت العيش فيه إلا أربع سنوات، وكان لانتقال زوجها للعمل في محافظة أخرى سبب في إضرارهم للعيش في بيت آخر.
وبالحديث عن نفسها وما تشعر به يوسف تقول "قبل أن أتزوج بقيت ما يقارب الستة أشهر وأنا ارتب بيتي الجديد وأختار تفاصيله بالتشارك مع خطيبي آنذاك"، وعندما اضطررت إلى ترك البيت وعرضه للبيع "مرت تلك الذكريات الجميلة أمامي في لحظات"، على الرغم من قصر المدة التي قضيتها، إلا أن بيع البيت أثر في نفسي بشكل كبير، وما تزال يوسف تشعر بغصّة كلما تذكرت بداية حياتي الزوجية فيه".
وينصح ابو زناد الأشخاص الذين يمرون بمثل تلك الحالات النفسية أن يساعدوا أنفسهم بتقبل الوضع والخروج منه بأسرع وقت، حتى لا يتحول الوضع إلى "حالة مرضية"، وذلك عن طريق "التحفيز الذاتي للقبول بالأمر الواقع وتقبل الأسباب التي تم بيع البيت من أجلها"، بالاضافة إلى أن يُركز على إيجابيات الوضع من حيث إن البيت الجديد مثلاً "أكثر وسعاً وفيه العديد من الإيجابيات التي تختلف عن البيت السابق"، والمضي قدماً في بناء ذكريات جديدة وجميلة في ذلك البيت "الجديد".
اختصاصي علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور سري ناصر، يرى أن التأثير الاجتماعي يتقاطع مع التأثير النفسي عندما يبيع الفرد بيته سواء لظروف إجبارية أو اختيارية، وحينما يشتري الإنسان بيتاً، فإن استعداده النفسي يكون للبقاء فيه على المدى الطويل، وبالتالي يكون وقع الآثار النفسية عليه حينما يتركه أكثر صعوبة.
ويوضح ناصر أن هذه العملية مرتبطة بما يسمى بـ"الحراك الاجتماعي"؛ حيث إن تغيير السكن أو المدينة أو الحي يعد عملية مستمرة، وعادةً ما يكون السبب سعياً وراء العمل، وهذا يحتم على الفرد ترك بيته والتأقلم مع الوضع الجديد.
غير أن الكثير من الأفراد في مجتمعنا، بحسب ناصر، يفضلون البقاء في أماكن سكنهم بدون محاولة التغيير المكاني، ويصبح لديهم تعلق بالمكان والمجتمع الذي يعيشون فيه، وفي حال اضطر بعضهم إلى الانتقال، تكون لذلك آثار كثيرة كونهم يشعرون أنفسهم "غرباء" ولا يتقبلهم المجتمع الجديد بسهولة.
ويرى ناصر أن الارتباط بالمكان وبالبيت على وجه التحديد يكون له التأثير ذاته على الأطفال كما في الكبار، فعادةً نسمع عن أشخاص يتحدثون عن بيوتهم وذكرياتهم في بيوت الطفولة بكل شغف وحنين.

[email protected]