بين الارتباك الإعلامي والارتباك الإداري

اعترف رئيس الوزراء امام مجلس النواب بنواحي التقصير في التعامل مع العاصفة الثلجية الاخيرة، قائلا إن "الاستجابة للحالة وتداعياتها لم تكن بالمستوى المأمول او الذي نريد"، وإن ادارة الازمة رافقتها ثغرات وأخطاء مثل بطء الاستجابة، وغياب المعلومة الدقيقة، وتعدد المرجعيات.

اضافة اعلان

لكن الرئيس بعد ان شرح ظروف الموقف وبعض الحيثيات التي قال إنه من غير المسموح التذرع بها، اراد التذكير بمسؤولية الإعلام قائلا: "ثمّة عنصر آخر لا يقل أثرا، وهو الارتباك الاعلامي الذي رافق الأزمة، والفشل في التعاطي معها باحتراف ودقّة". وقد فهم البعض أن الرئيس يريد أن يحمّل جزءا من المسؤولية لوسائل الاعلام وأسلوبها الذي سبق وانتقده المسؤولون، واتهموه بالتهويل والاثارة وعدم الدقّة. لكن حسب توضيحات نقلت لي على لسان الرئيس، فإنه كان يقصد فشل المسؤولين انفسهم في التعاطي اعلاميا مع القضيّة. وهذا التوضيح ضروري، ويضيف مسؤولية اخرى في سياق المراجعة التي دعا إليها الرئيس لاستخلاص الدروس والعبر، وشكّل من أجلها لجنة وزارية لتقويم ما حدث وتقديم التوصيات.

نأمل أن تعمل اللجنة المعنية هي أيضا باحتراف ومهنيّة. ويمكن دراسة انظمة الطوارئ والتعامل مع الكوارث المعمول بها في دول متقدمة، حتى لا نعود كل مرّة الى نقطة الصفر. وقد فهمنا من مرّات سابقة ان ثمّة خطط طوارئ جاهزة للتعامل ليس فقط مع عاصفة ثلجية عابرة، بل مع كوارث على نطاق اوسع، فأين كانت هذه الخطط التي نفترض أنها تستلزم وجود ترتيبات ادارية طارئة، ولوازم وتجهيزات تتناسب مع الحدث؟

أتيح لي مرّة، في زيارة اعلامية إلى دولة اوروبية، الاطلاع على مركز ادارة الكوارث في إحدى المدن، وكان شيئا مذهلا! فليس هناك شيء متروك للصدفة على الاطلاق، ابتداء من عمليات الانذار المبكر وانتهاء بأدنى تفصيل في ترتيبات التدخل والتنسيق بين الأطراف المختلفة، والتجهيزات والاحتياطات وفق ما يناسب كل نوع من حالات الطوارئ، الصغيرة أو الكبيرة.

لا نقول ان بإمكاننا تحقيق شيء مماثل، على الأقل لجهة الإمكانات المادّية، لكن يجب ان يكون واضحا تماما ما الذي سيتم عمله وفق الامكانات المقررة. لكن الواضح ان الارتجال هو سمة الموقف عندنا حتى الآن، وأسوأ ما فيها غياب آليات التنسيق وقنواته التي يجب ان تكون واضحة سلفا، ولذلك وجدنا تبادل إلقاء المسؤوليات والتلاوم، وفي النهاية ايضا لوم الإعلام! وقد علمنا ان الامر وصل ذات مرّة حدّ امتناع الارصاد الجوّية عن تزويد التلفزيون بالنشرة الجوّية بسبب "زعل" وقع. والارصاد الجوّية تتصرف بالمعلومة بخوف وحذر حتى لا تلام، فتكون النتيجة حرمان الناس من التهيؤ بما هو مناسب.

على كل حال، ننتظر دروس واستخلاصات اللجنة التي نأمل، كما قلنا، ان تعمل هي هذه المَرة بكفاءة ومهنية، وأن تضع تقريرا يُنشر للعموم.

[email protected]