بين تهنئة أوباما الرمضانية وتنامي"الإسلاموفوبيا"

 تنامي الحضور العربي والإسلامي في أوروبا وأميركا، رفع من وتيرة النقاش حول الإسلام في الغرب

أغلب الظنّ أن رسائل وخطابات الرئيس الأميركي أوباما للعالم الإسلامي وآخرها التهنئة بقدوم شهر رمضان المبارك، ليست كافية، رغم إيجابيتها، للتخفيف من ظاهرة تنامي النظر إلى المسلمين في الغرب نظرة سلبية، وهي نظرة يكاد ينتجها متطرفون أو متشددون على الجانبين الغربي والإسلامي، إلا أن هذه المقاربة غير كافية لتفسير المشهد بعمق وشمولية.

اضافة اعلان

لم يخفت الجدل والنقاش حول الإسلام في الغرب منذ أحداث  أيلول (سبتمبر)، لكنّ هذا الجدل، الذي يُحاط بمشاعر التوجس والريبة، أخذ في السنوات الأخيرة أشكالا وأبعاداً لم تعد تقتصر على مسألة مكافحة الإرهاب والبعد الأمني، بل تعداه إلى أبعاد ثقافية اجتماعية وسياسية، طالت الحديث عن تكاثر أعداد المسلمين في الغرب والسجال حول اندمامجهم في المجتمعات الغربية، ومدى انسجام الإسلام مع السياق الثقافي الغربي. ومع الأزمة المالية العالمية صار يطرح الموضوع بشكل يربط بعض المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بالمهاجرين، ويربط بين هؤلاء المهاجرين وأصولهم الثقافية والدينية كمجال يحفّز على العنف وعلى المشاعر العنصرية واتساع جيوب الفقر والبطالة والتهميش الاجتماعي.

إن تنامي الحضور العربي والإسلامي في أوروبا وأميركا، رفع من وتيرة هذا النقاش. والمقصود بالحضور هنا تنامي تعداد المسلمين هناك، ففي أوروبا تشير بعض الإحصاءات إلى توقّع نمو المسلمين في هذه القارة من 20 مليونا حاليا (5% من سكان أوروبا) إلى 38 مليونا بحلول عام 2025. وتوظّف هذه الإحصاءات لدى شرائح ثقافية ودينية وسياسية في أوروبا لتأخذ بعدا عنصريا تجاه الجاليات العربية والمسلمة، تجعلها تعيش أحيانا تحت حصار ثقافي يسوده التشكيك بمواطنيتهم ويجعلهم أسرى الدفاع المستمر عن الذات وصدّ الاتهامات والهواجس. ولعل فيلم "الديموغرافيا الإسلامية" الذي بُث على "يوتيوب" واجتذب ملايين المشاهدين مثال على هذا النفَس المتطرف، حيث يحذّر الفيلم المختصر من زحف الإسلام على الغرب، ومن أن التحولات السكانية في الغرب تؤذن بـ"أسلمة أوروبا" وزوال حضارة الغرب، وأن نصف سكان أوروبا سيصبحون مسلمين في 2050. ويشير باحثون إحصائيون إلى أن هذه الأرقام غير دقيقة.

شرائح مهمة من اليمين المتطرف في أوروبا ترى أن هناك موجة "أسلمة" تجتاح أوروبا. وقد استغل هؤلاء أحداث سبتمبر وتفجيرات مدريد ولندن بين عامي 2004 و2005 لينفخوا في نار التحذير من "أسلمة أوروبا" والكابوس الذي ينتظرها!!. ولقد أسهم في إنتاج هذا المناخ كتّاب مثل بروس بوير، مؤلف كتاب "عندما نامت أوروبا"، وبرنارد لويس، المؤرخ الأميركي الذي قال إن "أوروبا سوف تكون مسلمة". كذلك أسهمت شخصيات دينية مسيحية في إنتاج هذه الحالة، ومثال ذلك تصريح السكرتير الخاص لبابا الفاتيكان في أوروبا جيورج جاينزفاين، الذي قال في تموز(يوليو) 2007 إنه ينبغي ألا نتجاهل المحاولات الرامية لإدخال القيم الإسلامية إلى الغرب؛ لأن من شأن ذلك تهديد هوية القارة و"أسلمة أوروبا".

والتحدي أمام المسلمين والغربيين أنْ لا يجعلوا من هذه الأوضاع والمخاوف سبيلا لأنْ يتصدّر المتشددون من الطرفين موجة النقاش ويسيطروا على المشهد، وهو ما سيزيد من تفاقم الاختلافات ورفع وتيرة العداء وما يصاحبه من نزعات عنصرية قد تأخذ أبعادا مادية خطرة. التحدي في الحيلولة دون أن ينجح اليمين المتطرف في أوروبا والمحافظون المتشددون في أميركا في اختطاف النطق باسم دولهم ومجتمعاتهم وتقديم هذه القراءة المريبة والسلبية للمسلمين. والتحدي من جانبنا أن نمنع فئة قليلة متطرفة لتصوّر ما تقوم به من عنف وإرهاب  على أنه الإسلام. ومن المهم أن تقوم البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية في الغرب (وهي عموما مقصّرة أشد التقصير) بدور مثمر في الدخول في الحوار الدائر والتواصل مع المجتمعات الغربية ووسائل الإعلام هناك لتقديم صورة أفضل عن المسلمين، وصوغ قراءة منفتحة للدين تركّز، كما يقول طارق رمضان، ليس على "المسلم الضحية" بل على "قصص نجاح" للعرب والمسلمين في الغرب وليس فقط على المشاكل.

[email protected]