تباعدوا تنجوا.. تباعدوا تؤجروا

من المبكرِ الحديثُ عن التغيراتِ التي سيحدثُها الفيروس، كلُ المدنِ اليومَ هي هيروشيما، لا دول حلفٍ، ولا دول محورٍ، العالمُ كلهُ محلٌ للقصفِ، قصفٌ بأسلحةِ دمارٍ شاملٍ كما لم يكن الدمارُ من قبلِ، دمارٌ لا تُطلقهُ البارجاتُ، ولا تنفعُ معهُ أسلحةُ الدفاعِ الجويةِ، فكل ترسانات الأسلحةِ الذكيةِ والغبيةِ تقفُ عاجزة عن وقفِ الهجومِ. اضافة اعلان
من المبكرِ أن تعلنَ أي أيديولوجيا أو معتقدٍ انتصارهُ، فهذا فيروسٌ قاهرٌ للرأسماليةِ والاشتراكيةِ والليبرالية، زعزعَ أفكارَ آدم سميث، وكارل ماركس، والاقتصادُ الإسلاميُ وبنوكُ الربا والمرابحةِ، وهو يحصدُ حصداً في الدولِ الموحدةِ، وغيرِ الموحدةِ، تتهاوى أمامهُ الأسواقُ والأسهمُ والسنداتُ، أطاح بالعرضِ والطلبِ معاً، دولُ العالمِ اليوم، دولُ عالمٍ ثالثٍ أو خامسٍ، حتى أن شعارَ ترامب الانتخابي أمسى تخفيضَ عددِ الضحايا لمائةِ أو مائتي ألف!!، ونتنياهو أخيراً في «السجنِ»، حائرٌ أين يهربُ من أرضِ الميعادِ، والهندُ كلُ الهندِ بمليارِ نسمةِ ونيف تحتَ الحظرِ.
الوطنُ العربيُ الهشُ أصلاً اقتصادياً وسياسياً وعلمياً يأِنّ تحتَ انتشارِ الفيروسِ، وفيهِ دولٌ ما زالت في حالةِ حربٍ ودمارٍ، العراقُ وسوريا واليمنُ وليبيا جميعها بؤرٌ متوقعةٌ للفيروسِ، ندعو لها ولأهلها بالسلامةِ.
الأردنُ أيضاً يواجهُ تهديداً جدياً حقيقياً، تهديدا صحيا اجتماعيا اقتصاديا، وما زلنا في عينِ الحدثِ، نعم ما زلنا تحتَ القصفِ والهجومِ، ولا مجالَ بعدُ لإعلانِ الانتصارِ، نحنُ في ساحةِ العملياتِ، ومع التقديرِ لكل العاملين في الميدانِ، فقد نكونُ قد ربحنا معركةً، ولكننا لم ننتصر في الحربِ بعد.
لقد اختار الأردنُ حربَ الفيروس بحظرِ التجولِ، ووقفِ العملِ في القطاعين العام والخاص، باعتبار ذلك ضرورةً لحفظِ الحياةِ، ومع ذلك فإنَ في هذا الخيارِ تهديدا اقتصاديا بحجمِ التهديدِ الصحيِ إن لم يبزَه، وخاصةً للفئةِ رقيقةِ الحالِ، فحسب بعضِ المصادرِ فإن عمالَ المياومةِ حوالي مليون ونصف شخص، يعيلونَ في المتوسطِ ثلاثةَ مليونِ فردٍ، وإن إعالتهم تحدٍ عظيمٍ، لا تقوى عليه الدولةُ، وخاصةً إن طالت مدةُ الحجرِ، وحسب قولِ وزيرةِ التنميةِ الاجتماعيةِ نحتاجُ إلى ثمانين مليون دينارٍ شهرياً لمساعدةِ فئةٍ من رقيقي الحالِ وليس كلُهم، ناهيكَ عن ضرورةِ مساندةِ القطاعِ الخاصِ عمومًا والشركاتِ الصغيرةِ والمتوسطةِ التي تشكلُ عصبا أساسياً في الاقتصادِ الأردنيِ، والدولةُ مدعوةٌ لتفكرَ عاجلاً، بوسائلِ ضخِ أموالٍ في هذا القطاعِ، وتأمينِ سيولةٍ نقديةٍ له، ومعالجةٍ اقتصاديةٍ لما بعدِ الكورونا.
هذه الحربُ ليست حربَ الحكومةِ ولا حربَ مركزِ إدارة الأزماتِ وحسب، هذه الحربُ لا يستطيعُ أحدٌ أن يخوضها عوضاً عن أحدٍ، الدولةُ للآن على الطريقِ الصحيحِ، ومن العدلِ القولُ: إن مطبخَ القرارِ يعي خطورةَ الموقفِ، وهو يضعُ كلَ مواردِ الدولةِ، لتحقيقِ الهدفِ الأهم الآن وهو محاصرةُ الفيروسِ، وفي هذه الحربِ كلُ فردٍ في الوطنِ هو جنديٌ في الجيشِ الشعبيِ، ولهُ دورٌ أساسيٌ في حربِ العزلةِ، يقاتلُ الفيروسَ بالعزلِ، وممارسةِ عادات النظافةِ والتباعدِ.
المعادلةُ صارت واضحةً، العودةُ للحياةِ تتطلبُ وقفَ انتشارِ الفيروسِ، ووقفُ انتشاره يتطلبُ التزاماً مطلقاً بتعليماتِ حظرِ التجولِ، والتعليماتِ الصحيةِ الوقائيةِ، وكلما فرّطتَ في الالتزامِ بأي من هذه التعليمات، أخرت دوران عجلة الاقتصادِ والعملِ، ونشرتَ فيروس كورونا، وفيروسا آخر لا يقل خطورةً وهو فيروس العوزِ والفقرِ وانهيارِ السلمِ المجتمعي، فالخيارُ لك إما أن تكونَ مع وطنكَ، ومع نفسكَ، أو أن تكونَ فيروساً تساندُ كورونا في انتشارهِ.
مصلحتكَ الشخصيةُ والوطنيةُ، وأي قيمٍ تحملها تدعوكَ أن تلتزمَ التزاماً قطعياً، بالحظرِ وقواعدِ النظافةِ والتباعدِ، نعم التباعدُ، فحيثما اضطررت للخروج عليك بالتباعدِ كثقافةً جديدةٍ علينا نشرها واحترامها، حتى ننجو ببلدنا، وأنفسنا، وعندها نحتفلُ جميعاً بالوطنِ وبالانتصارِ، وحتى ذلك الحين تباعدْ تؤجرْ، فاهم علي جنابك؟