تبرئة ترامب وفصل جديد

غادة بدر “فصل حزين من تاريخ البلاد”، هذا وصف بايدن لمرحلة ترامب الأخيرة تلك التي انتهت باقتحام الرعاع للكابيتول ومن ثم تبرئة ترامب من التهم المنسوبة إليه من خلال مجلس الشيوخ، تلك التبرئة التي دفعت بايدن إلى أن يطلق كلمته كالرصاصة واصفا الديمقراطية في الولايات المتحدة الأميركية بأنها هشة، ولافتا إلى أن على الولايات المتحدة الأميركية حماية الديمقراطية حيث لا مكان للعنف والتطرف. تلك التبرئة التي جاءت في المحاكمة الثانية لترامب خلال 12 شهرا بعدما رفض الجمهوريون إدانته بشأن دوره في الهجوم الدامي الذي شنه أنصاره على الكونغرس. المحاكمة الفريدة والتي استمرت لمدة خمسة أيام في المبنى ذاته الذي تم اقتحامه جاء فيه تصويت مجلس الشيوخ بأغلبية 57 صوتا مقابل 43 صوتا، أي ما يقل عن أغلبية الثلثين اللازمة لإدانة ترامب، تلك الخطوة التي قطعت على أي تمديد محتمل لمحاكمة ترامب والتي جاءت بعد طلب الادعاء من الشاهدة الأولى الإدلاء بشهادتها حول المكالمة الهاتفية بين ترامب وإحدى شخصيات الكونغرس والتي تثبت رفضه التدخل في إيقاف اقتحام الكابيتول. آنذاك تدخل الدفاع غاضبا ومطالبا باستدعاء مئات الشهود للإدلاء بشهاداتهم لصالح ترامب، الأمر الذي دفع المجلس لتأجيل الجلسة لمدة ساعة ونصف الساعة ليعود أعضاء مجلس الشيوخ للجلسة بتغيير مفاجئ يطالب الأغلبية بعدم استدعاء الشهود، وبالتالي تبرئة ترامب من التهم المنسوبة إليه. وفي قراءة تحليلية للمشهد، نرى أن ما حدث لم يكن سوى تسوية سياسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي للخروج بأقل الخسائر، فالتمديد في جلسات المحاكمة بحق ترامب ستثبت بصمته السلبية على تنفيذ الأجندات السياسية لبايدن، كما أنه سيضع العراقيل المحتملة في برنامجه السياسي، فكانت التسوية السياسية الحل الأمثل لتجنب نشوب صراعات سياسية خفية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي ولتخفف من وطأة الانقسام الواضح بين الفرقاء. تلك النتيجة التي لم ترق لبايدن ليعبر عن امتعاضه وعدم رضاه أمام محطات الإعلام المختلفة، ذلك الامتعاض الاستراتيجي والذكي الذي جاء ليؤكد التزام الولايات المتحدة لعنصر العدالة حتى وإن ذهبت الأمور الى ما ذهبت إليه، فالتأكيد والتلويح أمام الرأي العام العالمي بأن الولايات المتحدة الأميركية ملتزمة بالحفاظ على العدالة والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها السياسي العالمي وابتكاراتها اللوجستية للحفاظ على موقعها في الخريطة السياسية العالمية. ولعل نتائج تلك المحاكمة التي قلبت الطاولة على خصوم ترامب جاءت لتكشف عن البرامج السياسية التي لن يتم التخلي عنها من جانب ترامب وهي البرامج التي ستسهم في إحداث تغييرات صلبة في عمق الحزب الجمهوري. تلك التغييرات التي تذهب نحو الراديكالية والتي سيحاول ترامب في قادم الأيام إرساءها بكل الوسائل الممكنة إن ساعدته على ذلك العديد من العناصر اللوجستية المختلفة كالظرف السياسي القائم والرأي الآخر المؤيد لرؤيته والقدر الكافي من المصالح الذي سيقوم بتحقيقها وإحرازها لمصلحة الحزب الجمهوري. لذلك، فإن الخريطة السياسية المقبلة بشأن الحزبين ستكون في أوج النشاط المفعم بالتغيير الذي تفرضه الساحة السياسية الأميركية الداخلية وهي في المحصلة وعلى جميع الساحات تسعى لهدف واحد هو تحقيق المصلحة القومية الأميركية العليا. وكأن ترامب ذلك المحارب الذي لا يهدأ يبدأ من جديد ويرسي بخطوات جديدة لن تكون سهلة في مواجهة تحدياته السياسية المقبلة في 2024.اضافة اعلان