تجاوزات البشر

الحقيقة التي لا خلاف عليها أن عودة انتظام الحياة البشرية بعد كورونا في العالم لن تتحقق إلا في حالة واحدة، وهي اكتشاف علاج شافٍ لأي مصاب بالوباء والتوصل إلى علاج وقائي يحمي الإنسان من الإصابة به، وبغير ذلك ستبقى الفوضى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حال المجتمعات والدول كافة وفي تفاقم مستمر نحو مستقبل مجهول.اضافة اعلان
وهو السبيل الوحيد أيضا لإعادة دورة عجلة الاقتصادات الوطنية والعالمية التي تضبط وتنظم استمرارية الحياة بكل مكوناتها ونشاطاتها الإنسانية.
إن الشيء الأهم من ذلك هو؛ متى ولمن سيأذن الله خالق كل شيء بهذه الاكتشافات العلاجية التي تتسابق عليها الدول والعلماء لإعادة الاطمئنان واليقين إلى خلقه كافة على وجه الأرض؟
إنه وفي خضم هذه الجائحة، يتساءل مليارات البشر بعد تفشي الوباء، هل يشهد العالم تحديا إلاهيا للإنسان الذي خرج في أحيان كثيرة عن وظيفته وعن المألوف ونظم الحياة وقوانين الكون؟.
كل الزعماء في العالم والقادة ورجال الأديان والسياسة والاقتصاد والمال باتوا ضعفاء لاجئين متضرعين إلى الله أن يقيهم وشعوبهم من الوباء، وتحسبهم لا يغمض لهم جفن خوفا على حياتهم وحياة الشعوب التي يحكمونها، وصورة الواقع تعكس انهزام أعتى القوى العظمى، لا بل كل قوى العالم مجتمعة حتى الآن أمام هذا التحدي الذي لم يشهد له التاريخ الإنساني مثيلا.
ويعيش سكان الأرض في خوف ورهاب من الوباء، وتعمل الأنظمة الصحية في كل أنحاء العالم لإنقاذ البشرية من الفيروس المهدد الشرس لحياة أي إنسان على وجه الأرض مهما دنا أو علا شأنه وسلطانه وماله وأصله وفصله.
ويسهر علماء الطب والأمراض والأدوية والمختبرات في العالم لاكتشاف سلاح ناجع لمواجهة الفيروس، الذي خلق وصمم بتقنية عالية، ويعجزون حتى الآن أمامه عن حماية حياة الإنسان ومخاطر تطوره في المستقبل.
إن الطرف الأضعف في هذه المعركة هو الجنس البشري الذي أصبح اليوم مكبلا محجورا عليه كل في مكان إقامته في الدول غنيها وفقيرها، وإن هذا الضعف المصحوب بالخوف في تصاعد مستمر يوما بعد يوم منذ حوالي 3 أشهر من الإعلان عن تفشي الوباء.
إن الذي يحير العلماء والعامة في العالم، هو هل هذا أمر يصدق من ناحية علمية وطبية في القرن الواحد والعشرين؟ حيث وصلت الحضارة الإنسانية إلى قمة التطورات العلمية والتكنولوجية التي لم تسبق في الحضارات الإنسانية على الإطلاق.
التحدي هو؛ كيف يمكن السيطرة على فيروس بسيط جدا، يتكون من مادة وراثية عضوية تحمل جزيئات من الـ DNA أو RNA ولكن له وظائف وقدرات تدميرية على الكائن البشري.
ربما تكمن هنا إرادة من صمم هذا الفيروس ومكّنه من وظيفته تجاه الإنسان، لحكمة لا يدركها الإنسان نفسه، وأن خلاص الإنسان من هذا التحدي مرتبط بإرادة خالق الإنسان وخالق الفيروس، ربما بعد أن تتحقق الغاية والحكمة التي أرادها الله لخلقه في هذا الزمن من حياة البشر.
لقد أكد الله من خلال رسله وأنبيائه الكرام من آدم إلى محمد عليهم السلام، أن الإنسان أحب خلق الله إلى الله، ولكن في زمن لا وحي فيه ولا رسل، يبعث الله عز وجل رسالات قوية تتجاوز القدرات التفكيرية للبشر لتذكيرهم ولفت انتباههم إلى التوقف عن محاولات البعض لتحدي قدرات الله، ومحاكاته بخلقه وتماديهم وتمردهم وتجاوزاتهم في الأدب مع الله سبحانه بالظلم والقتل والتمرد على نواميس الكون وطبيعة العلاقات الإنسانية، والانحلال والتجاوزات الظالمة في الاحتكار والتحكم في الأرزاق والاحتياجات الأساسية للحياة والإخلال بالتوازنات الكونية التي تحكم نظام الكون في إطاره البشري.
مهما تعددت الانتماءات العقائدية لأي من البشر، فإن هذا المأزق الذي تمر به البشرية حاليا بوباء كورونا، ما هو إلا امتحان لها وللنظام الدولي البائس الذي أوغل في الظلم والعدوان على الإنسانية ومستقبلها، والمؤشرات الأولية أنه ربما أصبح نظاما من الماضي ولن يعود إلى ما كان عليه قبل كورونا.
لا شك أن هذا الأمر قدّره الله في هذا الوقت لخير الإنسانية للتوقف عن التمادي والانحراف والتنمر على القوانين التي تسيّر الحياة وتنظم حركة الكون بعدالة الله المطلقة.