تحديات اقتصادية تلوح بالأفق

قلنا في السابق إن تداعيات كورونا الاقتصادية لن تظهر في المدى القصير على الاقتصاد الوطني، لأن التحركات الرسمية والخاصة لمواجهتها غطت على سلبيات المشهد، لكن هذا الأمر لن يستمر لفترات طويلة، فالتحديات بدأت ملامحها تظهر وتدأب وضوحا مع مرور الأيام.اضافة اعلان
فارتفاع الصادرات الوطنية في الأشهر الخمسة الماضية
(3.7 %) ما يزال أقل من التقديرات الرسمية للعام 2020 التي كانت بحدود الـ6 بالمائة، وهذا أمر طبيعي في ظل إغلاقات المعابر والطيران وتوقف أعمال الشحن في كثير من الفترات، لكن المحصلة النهائية سلبية في هذا الاتجاه اذا استمر ذات النهج على خطاه.
حوالات المغتربين في الخارج التي تعد رافداً أساسياً لدخل المملكة الخارجي وعنصرا مهما لاستقرار احتياطات المملكة من العملات الصعبة هي الأخرى تراجعت بأكبر نسبة منذ أعوام في الأشهر الخمسة الأولى بنسبة 8 بالمائة، وهذا بالأساس ناتج عن تراجع النشاطات الاقتصادية في دول الخليج العربي التي تحتضن أكبر عدد من المغتربين الأردنيين الذين تتجاوز أعدادهم 680 ألف مغترب، وقد تأثرت أحوالهم المعيشية بتراجع أسعار النفط العالمية التي تسببت في إحداث عجوزات مالية نادرة في ميزانيات بعض معظم الدول الخليجية في العام 2020، مما دفع بعضها للاقتراض الخارجي.
الدخل السياحي الرديف الآخر الداعم لاحتياطات المملكة من العملات هو الآخر في تراجع مخيف بنسبة تجاوزت الـ60 بالمائة، نتيجة تجمد حركة التدفقات السياحية العالمية والإقليمية، والتي ما يزال مشهدها غامضاً، فلا يوجد شيء إيجابي يلوح بالأفق لعودة القطاع السياحي لتألقه ما قبل كورونا.
مشهد البطالة بعد كورونا سيكون أكثر مأساوية لعاملين رئيسين؛ أحدهما داخلي مرتبط بعدم قدرة قطاعات اقتصادية على الاستمرار في ذات النهج من التركيبة في القوى العاملة، خاصة مع تنامي تحديات قوى العرض وارتفاع كلف الإنتاج داخلياً، مصحوبا بتوقف كامل للقطاع العام في مسألة التعيينات، لا بل العكس هو الذي يحدث تمام، فالأخير يسير في خطة لإعادة هيكلة جهازه بهدف ترشيقه من القوى الزائدة فيه والتي أدت في مجملها لتراجع إنتاجيته وكفاءاته، وبالتالي فإن أعداد المتعطلين عن العمل ستزداد مع انتهاء العمل بقانون الدفاع الذي ما يزال يشكل حاجزا قويا مانعا لعمليات تسريح في الكثير من الشركات والمؤسسات.
والأمر داخلياً لا يتوقف عند هذا الحد، فهناك أكثر من 156 ألف شخص يدخلون لسوق العمل سنوياً، منهم ما يزيد على الـ88 ألف خريج جامعي، يواجهون مستقبلا غامضا سواء في التعيين الداخلي بالقطاعين وحتى في السفر للعمل في الخارج نتيجة تردي أوضاع الاقتصاديات في الجوار.
خارجياً هناك أعداد غير واضحة لغاية الآن من الأردنيين الذين يرغبون بالعودة للمملكة سواء أكانوا برغبتهم أو بانتهاء أعمالهم، وهؤلاء حتما سيعودون بعائلاتهم، وكل هذا الأمر سيؤدي حتما إلى ارتفاع مُعدلات البطالة التي تبلغ نسبتها حتى الربع الأول من هذا العام ما نسبته (19.3 %)، وهي مُعدلات قياسية سيكون تجاوزها مسألة وقت لا أكثر مع مرور الأشهر القليلة المقبلة.
هذا الأمر سيكون له ارتباط في ارتفاع كلف وتحديات أزمة سيعيشها الأردنيون في المرحلة المقبلة نتيجة فقدان أو تراجع الدخول وعودة فواتير المأساة اليومية من قروض وأقساط وفواتير شهرية كبيرة تستنزف الكثير إن لم يكن معظم دخولهم، مما سيؤدي إلى إضعاف القوة الشرائية للمواطنين في المرحلة المقبلة وانعكاس ذلك على نشاط القطاعات المختلفة التي ستتأثر سلبيا بالعوامل السابقة في العديد من القطاعات التي تعتمد على قوة الشراء عند المواطنين.
مشهد قاتم يلوح في الأفق يتطلب من الجهات المعنية دق ناقوس الخطر والاستعداد لخطة طوارئ توقف النزيف القادم.