تحديات البطالة.. هل وضعنا استراتيجية بمحددات زمنية ورقمية لمعالجتها وصقل مفاهيمها؟!

مثقال عيسى مقطش

عمان - للمرة السادسة، انعقد المنتدى الاقتصادي العالمي في الأردن خلال الشهر الماضي تحت عنوان "النمو الاقتصادي وإيجاد فرص العمل"، وناقش المؤتمرون مشكلات الانكماش الاقتصادي.. وعلاقة الخطط الاقتصادية ومستوى ثقة المستثمرين في تحقيق الأهداف المتوخاة، وانتهى المؤتمر إلى عدد من التوصيات التي تصب في نقطة رئيسة هي كيفية التواكب مع المتغيرات الاقتصادية العالمية والإقليمية والمحلية، والتعامل معها وبلورتها نحو تحقيق مستوى مأمول من النمو الاقتصادي، وانعكاسه إيجابيا على استحداث فرص العمل المطلوبة!!اضافة اعلان
وفي افتتاح المنتدى؛ شدد جلالة الملك على أن النمو الاقتصادي وإيجاد فرص العمل هما أكبر الاهتمامات والمطالب بين شعوب الشرق الأوسط؛ حيث تكمن أعلى نسب للبطالة خصوصاً بين الشباب، وضرورة تمكين الشباب من إيجاد فرص للريادة والابتكار.
وأكد الرئيس التنفيذي والمؤسس للمنتدى الاقتصادي العالمي، كلاوس شواب، ضرورة إيجاد فرص عمل عن طريق الانتقال من مفهوم البطالة الى مفهوم الريادية، والذي يتطلب تغيرات أساسية في النظم التعليمية تشجع الإقدام على الريادة في العمل والانتقال إلى الموهوبية.
والسؤال هو: هل وضعنا جدولا زمنيا لمتابعة التوصيات التي انتهت إليها جلسات المؤتمر؟ وهل فكرنا بطريقة عملية في المستويين العام والخاص في كيفية إعادة تقييم مسببات البطالة فوق الأرض الأردنية ومن ضمنها مفهوم صقل البطالة؟ وهل وضعنا آلية لتنفيذ توصيات لجنة الحوار الاقتصادي، في هذا الصدد، ومن ضمنها:
التوصيات الإضافية التي قدمتها لجنة القوى البشرية من أجل تنفيذها ضمن التوصيات متوسطة المدى، والتي تمثلت بموضوعات عدة أهمها تقليل فترة البحث عن العمل عن طريق توفير البيانات اللازمة عن سوق الوظائف (جانب الطلب) والمهارات العمالية (جانب العرض) والحالة من حيث التوظيف!
وهنا يحضرني في الذاكرة حديث مشابه الى حد ما على لسان وزير المالية الفرنسي الأسبق دومينيك شتراوس على هامش واحد من اجتماعات الدول الغنية؛ حيث قال "لا تكمن مشكلة البطالة في فرنسا بضرورة معالجة مرونة السوق بقدر ما تتصل بمدى القدرة على تأهيل القادرين على العمل، وتمكينهم من الحصول على وظائف مناسبة"!
وهل يعكس هذا القول القاعدة التي تؤكد ضرورة الخروج من قوقعة استمرار الحديث حول متطلبات التدريب والتأهيل، والقفز الى عنوان أكثر شمولية، وهو تنمية الموارد البشرية، والتي تتمحور حول مبدأ لا يختلف عليه اثنان وهو: إن الإنسان هو محور التنمية والارتقاء، وإن تطويره هو المعيار الأساس، في تصنيف قدرة الأمم والشعوب، على التكيف مع متطلبات الاندماج ضمن القرية العالمية!
ورغم أن الإحصائيات تشير الى أن حصة الفرد في الأردن من الإنفاق على البحث والتطوير، لا تتعدى أربعة دولارات سنويا، فيما تزيد في أميركا وعدد من دول أوروبا على 950 دولارا للفرد سنويا، إلا أن الأردن يحتل مرتبة متقدمة في مقياس المعدلات العالمية للدرجات العلمية، وتعتبر الأعلى بين الدول العربية من حيث نسبة المتعلمين الى تعداد السكان، وإن نسبة الأمية أصبحت شبه معدومة بين قطاع الشباب لغاية سن 18 سنة.
ولكن هذا التوجه الهادف يتناقض مع واقع وتركيبة نسبة البطالة ضمن أروقة المجتمع الأردني، حيث بلغت نسبة البطالة حسب أحدث الإحصائيات 14 %، وهي نسبة موجودة في غالبية دول العالم الثالث، إلا أن مشكلتنا الرئيسية هي أن نسبة حملة الشهادات الجامعية ودبلوم كليات المجتمع عالية جدا بين الشباب، وإن تركيبة السكان في الأردن تضم
54 % من الشباب القادرين على العمل، وإن الغالبية العظمى من العاطلين عن العمل هم من فئة الشباب المتعلمين!
وإن الواقعية تعكسها مقولة أديسون "إن النجاح ليس كله ذكاء، وإنما
 10 % ذكاء، والباقي 90 % مثابرة"، وإن الانطلاق بواقعية نحو صقل مفاهيم البطالة يكمن في التعرف بواقعية على مواطن الضعف والقوة في بيانات البطالة.. وإن الانتقال الى الموهوبية تحتاج الى إعادة النظر في مفاهيم التعامل مع الموهوبين والاهتمام بهم وتصنيفهم الى مستويات، والأخذ بالاعتبار أن النجاح ليس فقط ذكاء، وإنما يتحقق بالتأهيل الصحيح والمتابعة والمثابرة، وجميعها عوامل رئيسة في تهيئة الباحثين عن العمل لفرص العمل المتوفرة. 
وخلاصة القول؛ تطفو توصيات وآراء على السطح حول البطالة ومؤثراتها الاجتماعية والاقتصادية بشكل متواصل، وتؤكد جهات الاختصاص على تفاعلها مع هذه التوصيات، لكننا بحاجة الى مراجعة مع الذات، وضرورة إجراء مقارنة تحليلية حول واقع البطالة ومعالجتها بين النظرية والتطبيق، وبيان ما هو الذي عملناه في المديين القصير والمتوسط لمواجهة تحديات البطالة، وصقل مفاهيمها وآليات التعامل معها، ضمن استراتيجية واقعية مدعمة بالأرقام الموثقة؟!.

[email protected]