تحديات ما بعد رحيل العام 2020

ها نحن نلتقط أنفاسنا ونحن نودع العام 2020 بكل ما حمل لنا من أزمات على مستوى الإنسانية وعلى النشاطات الاقتصادية بشكل خاص بسبب جائحة كورونا التي انعكست، دون أدنى شك، على القطاع المصرفي بشقيه التقليدي والإسلامي، أزمة هذه الجائحة من أسوأ الأزمات التي شهدها عصرنا الحديث، فمنذ الإعلان عن اكتشاف فيروس كورونا في نهاية العام 2019 في مدينة ووهان الصينية والمؤسسات المالية وقطاع المصارف في أنحاء العالم يعانيان من قسوة هذه الأزمة كبقية القطاعات الاقتصادية العالمية، ثم تعطلت العديد من الأنشطة التجارية حول العالم.
إن تداعيات هذه الأزمة وما رافقها من تطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية فرضت على المصارف الإسلامية واقعا مختلف تماما عما هو قبل أزمة جائحة كورونا؛ حيث يتطلب منها وضع إطار استراتيجي يرتقي الى مستوى هذا التحدي ويتضمن برامج تهدف الى الابتكار في منظومة تسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي لما بعد كورونا، ويتضمن كذلك تطوير مفهوم المسؤولية الاجتماعية للمساهمة في تحقيق الأمن الاجتماعي للمجتمع، ثم المحافظة على مكتسباتها من السوق المصرفي وبكفاءة عالية، على أن يشمل هذا الإطار الاستراتيجي إعطاء أهمية استثنائية لتمويل قطاعات الصحة، والتعليم، والطاقة، والبيئة، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتي تعد القطاعات المحورية في مواجهة الأزمة التي تسببت بها جائحة كورونا، ورغم كل ذلك، إلا أنه ما يزال أمامها بعض التحديات وهي تدخل العام 2021، نتوقف عند بعض منها:
• التحديات التي تتمثل في استخدام التكنولوجيا الحديثة، خاصة في مجال الخدمات المالية والمخاطر التي يمكن أن تتركها على مجمل خدماتها المالية والمصرفية الإسلامية، وما يترتب على ذلك من جهد لتكييف هذه المعاملات مع هذا التطور التكنولوجي المتسارع.
• التحول الرقمي الذي يشهده الاقتصاد العالمي أو ما يسمى بالثورة الصناعية الرابعة.
• عدم استقرار أسعار النفط وانعكاس ذلك خاصة على اقتصادات دول الخليج العربي الحاضنة الأساسية للعمل المصرفي الإسلامي.
• ظاهرة العملات الافتراضية أو المشفرة التي بدت وكأنها البديل للعملات الورقية، ما حدا ببعض المحللين الاقتصاديين بالتحدث عن نظام نقدي عالمي جديد تختفي فيه العملات الورقية لصالح هذه العملات الافتراضية.
• العمل مع أطراف الصناعة المصرفية كافة من أصحاب القرار والهيئات الشرعية على توحيد المعايير والتشريعات التي تتعلق بالمنتجات المالية الإسلامية أو في جانب الخدمات التي تقدمها المؤسسات المالية الإسلامية لعملائها وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
• توحيد المعايير الخاصة بموضوع الحوكمة، في المصارف الإسلامية، لاختلافها أحيانا من بلد لآخر، علما بأن الإطار الجامع لها هو أحكام الشريعة الإسلامية.
• إعادة صياغة لمفهوم المسؤولية الاجتماعية تتضمن وضع معايير جديدة للتعامل مع البيئة والمحافظة عليها من خلال صيغ التمويل المتعلقة بالاستثمار الأخضر، على سبيل المثال، الاستثمار في الطاقة المتجددة.
وعلى الرغم من أهمية هذه التحديات، فإننا على قناعة تامة بأن الصناعة المصرفية الإسلامية، وحتى ترتقي الى مواجهة فاعلة لهذه التحديات وتتمكن من المنافسة على المستوى العالمي، لابد لها من اختيار منهج الابتكار والتجديد وطرح أدوات مالية تناسب هذا التحول والتقدم في الاقتصاد الذي يشهده العالم ولتكون كذلك قادرة على مواجهة مشاكله التمويلية مع الالتزام بأحكام وفلسفة الشريعة الإسلامية، مع إيماننا القوي بأن هذه الصناعة تمتلك عناصر القوة التي تؤهلها لهذه المواجهة، ولديها القدرة على الاستفادة من التطورات العلمية والتكنولوجية المتجددة والمتسارعة لتأكيد الدور المستقبلي للصناعة المالية الإسلامية، وتمسك بزمام المبادرة لتوجيه بوصلة المصرفية الإسلامية باتجاه المكانة العالمية التي تستحقها، على الرغم من قسوة الآثار التي ألمت بالاقتصاد العالمي ومنها اقتصاداتنا العربية والإسلامية الحاضنة للصناعة المصرفية الإسلامية.

اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي