"تحديات يوتيوب".. مخاطر جسدية ونفسية تطال الأطفال واليافعين

يصل الشخص لمرحلة من التصميم على تحدي الذات والمقارنات بين الآخرين- (ارشيفية)
يصل الشخص لمرحلة من التصميم على تحدي الذات والمقارنات بين الآخرين- (ارشيفية)
تغريد السعايدة عمان- تعجبت الأم وهي تسمع صراخا وضحكا يعلوان من غرفة طفلتها تسنيم (13 عاما)، أثناء لعبها مع رفيقاتها، لتسرع كي ترى ما حدث، وتكتشف أن الصراخ ما هو إلا ردة فعل لتحد تقوم به ابنتها مع صديقاتها أثناء شرب كميات كبيرة من المشروبات الغازية، وذلك بعد مشاهدته عبر "يوتيوب". هذا التحدي وغيره العشرات من التحديات، يبدأ بدرجات بسيطة، ويزداد الأمر سوءا مرة بعد أخرى؛ إذ اكتشفت الأم أن تسنيم تقوم ما بين الحين والآخر بعمل تحديات مماثلة مع شقيقتها الأصغر سناً منها وتقلدها بكل ما تقوم به، من خلال مشاهدات يومية لمقاطع الفيديو التي في أغلبها غير واقعية. وبعد أن عاقبت الأم ابنتها على هذا العمل، وتحدثت معها، اكتشفت أنها تتابع بشكل دائم تلك التحديات وحاولت تقليد ما تستطيع منه، وأغلبها تحديات بسيطة، إلا أنها قد تؤدي مع مرور الوقت إلى حدوث أضرار صحية وجسدية كبيرة بالأطفال أو الكبار على حد سواء، وفق ما نشر على العديد من المواقع الإخبارية. ومؤخراً، نشر أحد الأطباء في إحدى الدول العربية مقطع فيديو يشرح فيه حالة صحية لفتاة تبلغ من العمر أحد عشر عاماً كانت قد قامت بتقليد أحد التحديات مع صديقاتها من خلال ربط حبل حول عنقها وحساب المدة التي يمكن أن تبقى بها على هذا الحال وتصوير ذلك عبر الهاتف. وبسبب انشغال الأهل عن الفتاة، تفاجأت الأم التي افتقدت ابنتها أنها في "حالة يرثى لها" وفقدت القدرة على التنفس، وتم نقلها للمستشفى وهي متواجدة الآن تحت العلاج، وقد فقدت كثيرا من قدرتها الجسمانية نتيجة وقف تدفق الأكسجين إلى الدماغ لمدة طويلة. ومن هنا، حذر الطبيب القائم على علاج الفتاة من أن يترك الأهل الهواتف للأطفال بدون رقيب على متابعة ما يشاهدونه من مقاطع عبر "يوتيوب" أو أي مواقع أخرى، تعج بالمقالب والتحديات التي يحاول الكثيرون تقليدها، وخاصة فيما يتعلق بتناول أطعمة غريبة أو إحداث أذى في الجسد لها عواقب وخيمة على المدى القريب أو البعيد. وينبغي معرفة مخاطر هذه الألعاب وحماية الأطفال منها، ووضع تحذيرات عبر المواقع بأنها لا تصلح لأعمار محددة، بالإضافة إلى وجوب حظر الكثير منها لما فيها من مبالغة وغير واقعية بأغلبها، عدا عن كونها معدلة عبر "فوتوشوب". ومن الأمثلة على تلك التحديات التي يوجد فيها مئات المقاطع عبر "يوتيوب"؛ محاولة شرب جالون حليب كامل بدون توقف، وضع حبات من الحلوى الفوارة داخل مشروب غازي ومن ثم شربه بسرعة خلال الفوران، وتحدي وضع كمية كبيرة من حلوى المارشملو في الفم وتناولها ببطء، والتي من الممكن أن تؤدي إلى الاختناق، وتحدي الفلفل الحار وتناوله بكميات كبيرة، وشرب الماء بتتابع بعدد كبير من العبوات وما لذلك من مخاطر صحية متتالية. الخطورة كذلك، تكمن في إصرار الفرد على إكمال التحدي للنهاية، لأنه من الشروط أن يقوم بتصوير نفسه عبر الهاتف والنشر فيما بعد على المواقع الخاصة بالتحديات أو "يوتيوب"، وهو ما يخلق حالة من الصراع النفسي ما بين الفرد وقدرته على الاستمرار للنهاية، ما يؤدي إلى حدوث حالات خطرة على الصحة. أخصائية علم النفس الدكتورة عُلا اللامي، ترى أن هذه الأفعال أسهمت في ظهور سلوكيات جديدة على المجتمع وغير مقبولة ويمكن أن يكون لها آثار سلبية كبيرة، وجلّ تلك المحفزات هو دوافع نفسية وتربوية في الوقت ذاته؛ إذ إن أحد الأسباب هو غياب الرقابة والتوجيه الأسري وثقافة الحوار غير السوية، بالإضافة إلى الافتقار إلى وجود قدوة حسنة في حياة المراهق أو الشاب والطفل على حد سواء. وعلى الرغم من تهاون أم غنى لما تقوم به ابنتها من تحديات تصفها بـ"البسيطة"، إلا أنها لا تخفي خوفها مؤخراً بعد انتشار العديد من القصص التي تابعتها حول خطورة تقليد التحديات، وخاصة مع وجود أمثلة حية على حالات مرضية خطيرة وصل في بعضها إلى "الوفاة" أو حدوث إعاقات دائمة. وتستغرب أم غنى وجود أشخاص يقومون بتلك التحديات الخطيرة التي تؤذيهم، مبينة أن هنالك ألعابا وتحديات خطيرة جداً، ووجود أخبار لحالات خطيرة جعلها تقف أمام "استسهال" ابنتها لتلك التحديات، وبالتالي قامت بمنعها بشكل كامل. وكانت ظاهرة التحديات قد انتشرت منذ أعوام عدة بعد قيام مجموعة من المشاهير بعرض مقاطع تُظهرهم يقومون بتحديات متفاوتة الخطورة، ويتم ذكر شخص آخر يقوم بالتحدي ذاته، وهكذا، إلى أن أصبحت التحديات "موضة" ويتنافس الكثيرون في تقديم أكثرها غرابة وخطورة، إلا أن أكثرها استياء بين الأهالي هو "إيذاء النفس المفضي إلى حدوث ضرر واضح". وكان الخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة، قد بين لـ"الغد" أن المرحلة العمرية ما بين الطفولة والمراهقة محطة مهمة، وذلك لا يرجع فقط لما يكتسبه ويتعلمه فيها، وإنما نتيجة للتغيرات النمائية والمعرفية والانفعالية والاجتماعية والثقافية المتعاقبة والمتسارعة. وأشار النوايسة إلى أن المشاهد لوسائل الإعلام المرئية أصبحت لديه قدرة وإمكانية لتعلم السلوكيات من خلال ما يعرض من مضامين وبرامج، وأن المشاهدة تزيد من احتمال التعلم والتقليد، والانفتاح والتعامل السلبي، والاستخدام غير المشروع يترك تأثيرا واضحا على الفرد وسلوكه وأنماط تفكيره نظرا لما يحدثه من فراغ روحي. وتؤكد اللامي أن عاملي النضج والعمر للشخص يلعبان دورا مهما بما يمكن القيام به من أفعال سواء بالتحديات أو غيرها، كما أن ما يتمتع به الشباب من طاقة اندفاعية خلال مراحل مختلفة من عمره وحب الظهور والشهرة، وإظهار النفس كلها أمور تعد من الأسباب الأخرى التي تجعل الشخص يقحم نفسه فيما يمكن أن يؤدي إلى إيذائه. الدوافع النفسية كذلك تؤدي بالفرد إلى هذه المرحلة التي يمكن أن يؤذي نفسه فيها، وفق اللامي، التي تبين أنه يصل لمرحلة من التصميم على تحدي الذات والآخرين، ووجود هاجس المقارنات بين الأصدقاء، عدا عن أن الانفتاح غير المقيد على الثقافات الأخرى في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع والبعد عن المبادئ الأخلاقية، كلها من أسباب الوقوع في فخ التقليد الأعمى. وبحسب دراسة نشرتها صحيفة "لوجورنال دي فام" الفرنسية أجرتها الوكالة الأميركية "ديفي ميديا" العام 2015، فإن 96 % من اليافعين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاما يشاهدون الفيديوهات على الإنترنت و"يوتيوب" بمعدل 11 ساعة في الأسبوع، في الوقت الذي يجد فيه هؤلاء أن ناشري تلك المقاطع هم "عفويون، ولا يحاولون أن يلعبوا دور الأشخاص المثاليين".اضافة اعلان