تحذير أم اعتراف بالمسؤولية؟

لا يمل كثير من المسؤولين العراقيين، كما نظام بشار الأسد ورموزه، تكرار حقيقة أن خطر تنظيم "داعش" الإرهابي لا يقتصر على العراق وسورية، بل هو خطر إقليمي، قد يتسع ليصبح عالمياً أيضاً.اضافة اعلان
طبعاً، الغاية من تكرار هؤلاء لهذه البدهية المعروفة هي- من وجهة نظرهم- تحذير دول المنطقة والعالم، إنما بما يوجب فقط منح حكومة بغداد ونظام الأسد، شيكاً على بياض لمواصلة السياسات ذاتها التي أفضت ليس فقط إلى خروج "داعش" ابتداء، بل وإمداده بكل أسباب القوة والاستمرار حتى الآن، بحيث يغدو حتى التحالف الدولي غير قادر على وقف التنظيم على الأرض، في البلدين، كما شاهدنا أخيراً في الرمادي وتدمر.
لنفترض بداية أن "المقاومة والممانعة"، وسواها من شعارات، توجب علينا أن نقبل من إيران، عبر وكلائها في العراق تحديداً، مواصلة الفظاعات بحق سُنّة هذا البلد، وآخر المعروف منها ما تم في تكريت على يد "الحشد الشعبي"، من حرق ونهب بعد خروج "داعش" من المدينة. وكذلك اشتراط كفيل للعراقي "السُني" النازح في بلده، للسماح بدخوله بغداد؛ وقبل كل ذلك رفض تسليح عشائر السُنّة للتصدي للتنظيم، وحماية أبنائها من الذبح.
لكن، ماذا بشأن فرار الجيش العراقي للمرة الثانية من دون قتال حقيقي في الرمادي، كما يؤكد رئيس هيئة الأركان الأميركي مارتن ديمبسي، وذلك تماماً على نحو ما حصل في الموصل قبل سنة، تاركاً هذا الجيش، مرة أخرى أيضا، الجزء الأكبر من سلاحه وعتاده لتنظيم "داعش"؟!
باستبعاد نظرية المؤامرة، والتي لا يمكن أن تكون هنا إلا مؤامرة إيرانية، كون طهران هي المتحكمة بمفاصل الحكم والأمن في العراق، فإنه لا يبقى صحيحاً إلا حقيقة أي خطر باتت بغداد (أو إيران) تشكله على أمن الجوار، بوضع قيادات عسكرية غير كفؤة، وجنود لا يملكون أي عقيدة عسكرية، وقبل ذلك منع العراقيين من حماية مناطقهم لأسباب طائفية محضة!
بمثل ذلك أيضاً يتصرف نظام الأسد، الخاضع لسيطرة إيران بدوره. فحتى الآن لا يُعرف كم تركت قواته من أسلحة لداعش في تدمر، التي يقال إنها تضم بعض أكبر مخازن الأسلحة السورية. إذ يبدو أن هذا النظام كان حريصاً فقط على نقل رهائنه الموجودين في سجن تدمر الرهيب، ونهب الآثار القابلة للحمل بدعوى حمايتها. بل وغداة سقوط المدينة بيد "داعش" كان ضابط المخابرات السابق في هذا النظام، بهجت سليمان، يستشيط غضباً، مستفيضاً في الحديث الوحيد الذي يتقنه؛ الشتائم والتهديد، بحق الأردن، لا لسبب سوى أن الحكومة الأردنية طالبت بحقن دم الشعب السوري! ما اعتبره رجل المخابرات شتيمة وإهانة بحد ذاته!
"داعش" خطر إقليمي ودولي حتماً، وبلا أدنى شك. لكن استمرار تلك السياسات التي تمد التنظيم بالرجال والسلاح، يجعل من متبنيها ومنفذيها، منطقياً، أقرب في تحذيرهم إلى الاعتراف بأنهم هم أساساً جذر الخطر الإقليمي والدولي الذي يمثله "داعش"، كونه نتيجة وإفراز لأفعال هؤلاء؛ الموجودون في بغداد ودمشق، وقبلهما طهران طبعاً.