تحصين الخواصر اللينة

الجائحة التي غيرت وجه الزمان تطل علينا من جديد، هذه المرة تبدو أكثر جرأة فقد تعرفت على طباعنا وحققت اختراقات مهمة لجبهتنا الدفاعية بعد ان تسللت عبر خواصرنا اللينة. أمس وللمرة الأولى تنتشر الحالات في اربد وجرش والمفرق وعمان وصولا الى معان وجميعها على صلة بنقاط الحدود التي عرفنا وكنا نعرف انها خاصرتنا الرخوة.اضافة اعلان
في الأردن كان الحرص والاهتمام والسرعة عوامل النجاح، فهي التي ميزت استجابتنا ومكنت الادارة من تنفيذ اوامر الدفاع ودفعت بالمواطن الى الالتزام بشروط الحظر وأقنعت الجميع بالتقيد بقواعد التباعد، بهذه الاجراءات استطاع الاردن ان يخفض فرص العدوى ويسيطر على الانتشار ويحسن التعاطي صحيا وإداريا مع اكثر الازمات انتشارا وأشدها فتكا في الجنس البشري.
حتى اليوم لم يقابل معظمنا احدا من الرجال والنساء الذين امضوا عشرات الليالي بعيدين عن اسرهم واحبائهم ولم نتعرف على اسمائهم ومع ذلك فإننا نحمل لهم الكثير من الحب والامتنان والتقدير. من خلال عشرات وسائل الاتصال والاعلام أطلت الكوادر والادارة الصحية الاردنية علينا في كل مساء لتقول لنا إننا سنكون بخير فاستقرت في نفوسنا الطمأنينة وأيقنا أننا في عهدة مؤسسات وكوادر وقيادات طبية قادرة وفاعلة وموثوقة.
من بين عشرات الخبراء والمتحدثين والرسميين والاهليين الذين أشغلوا الفضاء الأردني كان الكثير من الأردنيين يستمدون ثقتهم وطمأنينتهم من هدوء واتزان وحكمة الاستاذ الدكتور نذير عبيدات الناطق الرسمي باسم لجنة الأوبئة واكثر المتحدثين قدرة على تفهم معاناة ومخاوف الناس ومهارة في تقديم البيانات والتطورات على الوضع الوبائي في قوالب تحد من الخوف وتبعث على الامل دونما انتقاص من الحقيقة او التهويل في تصوير الواقع.
اليوم وبعد مرور خمسة اشهر من العناء والاجهاد يتجدد الخوف ويتنامى القلق لدى الناس من امكانية اتساع انتشار دوائر الخطر وفقدان السيطرة على الوضع الوبائي لا سمح الله. وسط هذه الظروف والاوضاع يتطلع الأردنيون الى خطاب اعلامي مختلف يشير الى مواطن الخطورة وأوجه التقصير ويضع الجميع امام مسؤولياتهم.
أحداث نقطة حدود جابر ومحاولات الهروب من مراكز الحجر الصحي ما كانت لتحدث لو قام المعنيون بواجباتهم على الوجه الاكمل والحالات ما كانت لتنتشر وتصل الى مختلف ارجاء البلاد لو عمل المسؤولون على اتباع انظمة رقابة وكشف وتتبع فعال، من غير المنطقي ان تعود البلاد الى المربع الاول بعد ان قطعت شوطا مهما في التخطيط والتنظيم والادارة والرعاية.
ما حصل في جابر ويحصل في العمري يشير الى ضعف في التدابير والاحتياطات وينبه الجميع الى اهمية تجاوز مرحلة العد والاعلان والاهتمام بتدابير الحماية والتباعد التي تشكل احد اكثر الوسائل قدرة على الحد من انتقال العدوى والفتك بالأشخاص الاكثر عرضة والاقل مناعة ومقاومة للفيروس.
أعرف ويعرف معي آلاف المراقبين ان من غير المنطقي توقع ان يبقى الأردن خاليا من الوباء في محيط يتفشى فيه بمتوالية مرعبة، لكن المعروف والملفت ايضا ان الشعب الاردني انصاع الى اوامر الدفاع ونفذ كافة توجيهات الادارة.
لا احد يتوقع ان يختفي الوباء في الاردن وهو في اوج انتشاره في العالم لكن الجميع يتوقع ان تبنى لدى مؤسساتنا الخبرة التراكمية المتطورة في التعامل مع كل تفصيلات الازمة وان تظهر الخلية وضوحا وحزما في التعامل مع كل من يتراخى او يتردد في تنفيذ السياسات والاوامر التي وجدت لحماية وضمان سلامة الانسان من هذا الوباء وتبعاته. السلطة التي منحها قانون الدفاع لرئيس الوزراء والحكومة والسلطة المهنية للكوادر الطبية والمهنية الناعمة التي يتحلى بها الطبيب الفذ نذير عبيدات موارد اساسية ينبغي العمل على تعظيم فوائدها في هذه الظروف الحرجة.