تحليلات واستنتاجات خاطئة حول سورية

مجموعة من مقاتلي الجيش السوري الحر - (أرشيفية)
مجموعة من مقاتلي الجيش السوري الحر - (أرشيفية)

ريك ستيرلينغ -  (كاونتربنتش) 21/10/2015

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

نشرت مجلة "كاونتربنتش" مؤخراً مقالاً بعنوان "إرث باراك أوباما: نظرة قاتمة في الماضي"، بقلم محمد إدريس أحمد. ويشكل المقال مثالاً على التحليلات والاستنتاجات التي يتوصل لها أولئك الذين يدافعون عن التدخل الأميركي المباشر في سورية، بدءاً من المحافظين الجدد في أقصى اليمين، وصولاً إلى اليبراليين -وحتى بعض الذين يصفون أنفسهم بأنهم ماركسيون.
وبسبب التداعيات الخطيرة لهذه الافتراضات والاستنتاجات، من المهم بمكان أن يجري فحصها بطريقة نقدية. ونستطيع في هذا الصدد استخدام المقال سالف الذكر كمثال.
كان المقال نفسه، قد نُشر، وإنما تحت عنوان آخر، قبل أسبوع في صحيفة "الوطن" الصادرة في دولة الإمارات العربية المتحدة. وكان العنوان: "إرث أوباما يتلطخ بينما يملأ بوتين الفراغ في سورية".
ولا يعدو "الفراغ" السوري كونه خرافة شعبية يروجها أولئك الذين يريدون للولايات المتحدة أن تصبح أكثر عدوانية في سورية. والحقيقة أن الولايات المتحدة ساعدت بنشاط كبير وقوت شوكة المعارضة العنيفة في سورية منذ البداية. ويؤكد تقرير وكالة الإعلام الدفاعي في 20 آب (أغسطس) من العام 2012، أن الأسلحة كانت تتدفق على المعارضة السورية المسلحة في أعقاب الإطاحة بالحكومة الليبية في خريف العام 2011. ولم يكن الادعاء بأن الولايات المتحدة كانت تقدم معدات اتصالات وإمدادات أخرى غير قاتلة في العامين 2012 و2013 سوى لغاية الاستهلاك العام، ومن باب "سياسة الإنكار". لكن الولايات في الحقيقة كانت تقدم كميات كبيرة من الأسلحة. وشمل "الجانب المظلم" موازنة ضخمة لعمليات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إيه)، بما في ذلك تدريب وتسليح المعارضة السورية المسلحة. وكانت العربية السعودية وتركيا وقطر تنفق مليارات الدولارات سنوياً في دعم المرتزقة والمتشددين الذين يحاولون الإطاحة بحكومة دمشق العلمانية. وعلى العكس مما يقوله أحمد، فقد كان الثوار المدعومون من الولايات المتحدة قصة من نسج الخيال في جزئها الأكبر. وباستثناء مجموعة "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، فإن القوة المقاتلة الأكثر فعالية كانت "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم القاعدة. ووفق وجهة النظر الشعبية، فإن الجيش السوري الحر، وإلى المدى الذي ظل فيه قيد الوجود، كان يعمل بشكل وثيق مع النصرة/ القاعدة.
في استخدام مربك للمصطلحات، يفرق أحمد بين "مكافحة الإرهاب" وبين "مجابهة التمرد". وما يعنيه من خلال "مجابهة التمرد" هو تغيير النظام عبر التدخل المباشر أو الغزو. وما يعنيه بـ"مكافحة الإرهاب" هو تغيير النظام من خلال انقلاب أو جيش بالوكالة.
يشير محمد إدريس أحمد المولود في باكستان إلى أن أوباما لا يتمتع بسند لأنه اختار "مكافحة الإرهاب" (جيوش بالوكالة وطائرات بلا طيار.... إلخ) بدلاً من "مجابهة التمرد" (شن هجمات أميركية مباشرة). وهذا قصر نظر وعكس التاريخ. ليست هناك أي رغبة شعبية للقيام بغزو أميركي آخر لبلد آخر. ويعود هذا في جزء منه إلى أن الغزو الأميركي للعراق وما أفضى إليه من كوارث، ما يزال عالقاً في أذهان الشعب الأميركي. وهو أيضاً يتبع نمطاً من الماضي: فبعد هزيمة الغزو الأميركي في فيتنام، عمدت الولايات المتحدة إلى استخدام جيش بالوكالة (الكونترا) ضد نيكاراغوا في أوائل الثمانينيات.
لكن المهووسين بالحروب في وسائل الإعلام، مثل أحمد، ليسوا هم الجماهير. والغالب أكثر من العكس، هو أنهم يعكسون وجهات نظر الجهات الراعية لهم. وليس من قبيل المفاجأة أن يكون مقال أحمد قد نشر أولاً في صحيفة "الوطن" الإماراتية. فالإمارات دولة متحالفة عن قرب مع العربية السعودية، وهي تروج بقوة للصراع مع إيران. وكان كشف أخير لسفير الإمارات العربية المتحدة لدى واشنطن قد أظهر مستوى التأثير على القرار في واشنطن، وكيف أن من السهل كسب السطوة والنفوذ من خلال المال، وتعزيز السياسة الجوهرية للإمارات العربية المتحدة. هذه السياسة المصطفة ضد إيران وسورية وروسيا. ويضغط السفير بقوة من أجل أن تتدخل الولايات المتحدة أو أن تهاجم سورية. ويصف العنوان الفرعي للمقال المذكور سفير الإمارات العربية المتحدة بإيجاز بارع:
"يوسف العتيبة هو الرجل الأكثر سحراً في واشنطن: إنه بارع، وهو ذكي ويستطيع التعامل مع فريق كامل. وإذا ما أتيحت له الفرصة، فإن سياستنا الشرق أوسطية ستصبح أكثر شدة بكثير".
يقول أحمد في مقاله: "لقد خان أوباما نفسه منذ وقت طويل عندما فشل في مواكبة الخطاب الساخن حتى بعمل متواضع... (عندما) تخطى الأسد بشكل غريب خطه الأحمر عبر استخدام الأسلحة الكيميائية". ويشكل هذا التأكيد عملاً قياسياً للصحفيين الذين يروجون للحرب. وفي الحقيقة، تم تفنيد هذا الاتهام بشكل ضخم. وكان تحليل هيومان رايتس ووتش "فيكتور" موضع شك منذ البداية ومنزوع الثقة كلية. ويستنتج التحقيق الأكثر كمالاً أن الأسلحة أطلقت من أراضٍ تسيطر عليها المعارضة المسلحة. كما استنتج المراسلون الصحفيون الاستقصائيون الأميركيون، سيمور هيرش وروبرت هاري وجاي سبورتر، بالإضافة إلى ضابط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق ري ماكغفرن، أن تلك الهجمات قد شنت على الأرجح من جانب المعارضة المسلحة التي تحاول جر الولايات المتحدة إلى قصف سورية. ويتجاهل محمد إدريس أحمد، مثل كل صحفيي الاتجاه السائد تقرباً، والذين يروجون للحرب، الحديث عن الأدلة المناقضة.
بالتناغم مع عبارة "أوباما ضعيف"، تأتي عبارات "روسيا قوية"، أو "روسيا تبدو قوية"، أو "بوتين يبدو قوياً لأن أوباما ضعيف". ويشبه المصابون بهاجس الحرب من الإعلاميين الأطفال في ساحة ملعب المدرسة، محاولين تأجيج عراك. سوى أن الأمر في هذه الحالة ليس مجرد أنف مدمى على المحك؛ إنه أرواح عشرات الآلاف من السوريين، واحتمال الملايين من الأرواح في حالة نشوب حرب عالمية ثالثة.
يتفوق أحمد على نفسه في الشحن للحرب عبر الادعاء بأن "التصرفات الروسية في سورية تعتبر عملاً عدوانياً ضد شعب البلد المحاصر". وفي تناقض مع تصوراته، فإن كل سكان سورية يشعرون فعلياً بالارتياح الكبير والسعادة لأن روسيا باشرت في تقديم الدعم الجوي والأسلحة الحديثة الموجهة بالليزر والمعلومات المستقاة بواسطة الأقمار الاصطناعية للمساعدة في عكس وجهة الزخم. وثمة صديق أميركي سوري لي يعيش في اللاذقية، والذي قال مؤخراً أن الناس في المدينة كانوا يشعرون بقلق بالغ في شهر آب (اغسطس) وحتى منتصف أيلول (سبتمبر) بسبب تفجيرات السيارات الملغومة والصواريخ الجهادية التي تأتيهم في المدينة. وقد بدأو يشعرون الآن بالأمان مرة أخرى. وقد تغير المزاج بشكل درامي نحو الأفضل. وثمة صديق سوري آخر أورد أن النساء في قريته بالقرب من حمص كُن يزغردن سعادة عندما هاجمت المقاتلات الروسية معسكرات "داعش" و"النصرة" في الجوار.
أولئك الذين يسعون إلى تدخل مباشر للولايات المتحدة/ الناتو في سورية، يصفون النزاع بأنه "أوباما ضعيف في مقابل بوتين قوي". وهم غير سعيدين ويوجهون الانتقادات لأن الجيش بالنيابة قد فشل في الإطاحة بالحكومة السورية. وهم يريدون غزواً مباشراً هناك، حتى لو تسبب في إشعال فتيل حرب عالمية. إنه اتجاه تفكير خطير جداً ومضلل. وفوق كل ذلك، فإنه يتجاهل أو يشوه رغبات الشعب السوري الذي أوضح بثبات وبازدياد أنه لا يريد دعم المعارضة العنيفة. وقبل عامين، كشف استطلاع للرأي العام كلف بإجرائه حلف الناتو أن 70% من الشعب السوري يدعم الحكومة.
يظهر النزاع في سورية ما يحدث عندما يتم تجاهل القانون الدولي بحصانة. ويحظر ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي العرفي على حد سواء على أي بلد استخدام القوة، مباشرة أو عبر جيش بالوكالة، ضد أي بلد أخر.
كما يظهر النزاع السوري ماذا يحدث عندما يسود منطق "حكم الغابة". إن "الجحيم" لا يأتي من حصول السوريين على الدعم من روسيا وفي مباشرة التغلب على المرتزقة والمتشددين الطائفيين. إن "الجحيم" هو وفاة وتدمير مهد الحضارة على يد العدوان المفضوح. وسيعتمد إرث أوباما بشكل كبير على ما إذا كان سيقاوم أم سيخضع لمهووسي الحرب مثل محمد إدريس أحمد والذين يمثلهم.

*نشر هذا المقال تحت عنوان:Faulty analysis and Conclusions on Syria

اضافة اعلان

[email protected]