تحولات في علاقات الأردن

تغيرت علاقات الأردن الخارجية، خلال العامين الأخيرين، فبعد أن كانت علاقات قائمة على التحالفات، باتت علاقات قائمة على التفاهمات فقط.اضافة اعلان
إذا قرأنا تاريخ الأردن السياسي، اكتشفنا ببساطة أن علاقات الأردن كانت قائمة، أغلب الوقت على مبدأ التحالف، خصوصا، مع الولايات المتحدة وبريطانيا، وعدد من العواصم العربية، دون أن ينفي ذلك وجود خلافات حادة أو جزئية مع دول أخرى، في المنطقة، أو العالم، لكن مع وجود تحالف أساسي يرتكز إليه الأردن.
العامان الأخيران شهدا تحولا أساسيا، ويمكن القول اليوم إن الأردن لا يبدو حليفا بالمعنى المتعارف عليه مع أي طرف، وإذا كان بعض الرسميين يعتبرون أن هذه ميزة إيجابية، إلا أن استخلاصهم هذا يعبر عن سذاجة وفخر زائف، خصوصا، أن الحاجة إلى حلفاء، أمر أساسي، لمواجهة هذه التقلبات، بدلا من حالة البقاء تحت الشمس، وأمام تقلبات الطقس، تحت عنوان أننا دولة عظمى، نصنع سياستنا فرادى.
معسكرات المنطقة، متعددة، ولسنا جزءا منها، إذ إننا لسنا جزءا من المعسكر الإيراني السوري العراقي، الذي يمتد إلى لبنان واليمن، ولا جرأة عند أحد، للانتساب إلى هذا المعسكر أو الاقتراب منه، وبالمقابل، لسنا جزءا من المعسكر العربي - الأميركي، المعتاد والمتعارف عليه، والذي كان يعود على الأردن بمنافع سياسية واقتصادية، بعد أن شهدت علاقاتنا مع بعض الدول تغيرات جزئية، كما أننا لسنا جزءا من المعسكر التركي القطري الممتد عبر عناوين مختلفة.
بالمقابل فإن العلاقة مع الولايات المتحدة اليوم، باتت علاقة في الحدود الدنيا، مقابل مساعدات محدودة، وتجفيف للمساعدات الإقليمية، وعدم رضى غير معلن، عن السياسات الأردنية إزاء بعض الملفات، والكل يدرك هنا، أن العلاقة الجيدة مع الولايات المتحدة تنعكس ارتدادا على علاقات أخرى في المنطقة، وهذا لا نراه هذه الفترة، مما يؤكد ان العلاقات مع واشنطن، في حدود دنيا، اقل من التحالف الكامل، بما يعنيه هذا التحالف الكامل من منافع، وعلاقات اكثر مرونة مع اطراف أخرى.
في الإقليم ذاته، تبدو العلاقة مع إسرائيل أيضا، فاعلة في اطر محددة، ذات سمة لوجستية وتنسيقية إزاء ملفات حساسة، بعيدا عن تتبع الرأي العام، و دون أن تكون علاقة تحالف عليا، تترك أثرا عبر بوابة الإسرائيليين على أطراف أخرى، خصوصا مع التوترات في العلاقة بسبب ملفات مختلفة، من بينها ملف القدس، والمسجد الأقصى، إضافة الى تغير التقييمات الإسرائيلية، لأهمية الأردن الجيوسياسية، ووجود بدائل اكثر منفعة، واقل اعتراضا، أمام التمدد الإسرائيلي.
أمام هذا المشهد المعقد، يعترف الأردن ضمنيا، بعدم وجود حلفاء، مما اضطره أن يغرف شربة ماء، من كل نهر، وأن يعوض التحالفات التي ضعفت، او التحالفات المستحيلة، بتفاهمات جزئية، فهو يحاول الاقتراب من المحور الإيراني بنعومة بالغة عبر الاقتراب من العراقيين ومحاولة استرضاء السوريين، ويفتح خطا على الأتراك والقطريين، ولا يعادي حلفاءه التاريخيين، علنا، وفي الوقت ذاته يحافظ على علاقة ضمن سقف منخفض مع الأميركيين والإسرائيليين، مستبدلا التحالفات، بالتفاهمات، وبمحاولة أن يكون على صلة جزئية او كلية بكل الأطراف.
الأردنيون، بدلا من الاعتراف العلني بالواقع الجديد، يغالطون ويقولون إن علاقاتنا مع الكل حسنة، ونحن على صلة إيجابية بكل الأطراف، تفسيرا لحالة الاقتراب الكلي او الجزئي من كل الأطراف المتناقضة، لكن حقيقة الحال، ان هذا وضع يعبر عن ثلاثة تحولات خطيرة، أولها حدوث تغير جذري في تحالفات الأردن التاريخية، وثانيها حذر الأردن، أيضا، من التقلبات المحتملة في المنطقة، والمقبلة على الطريق، وثالثها رغبته بتحريك العلاقات الجامدة مع حلفاء تاريخيين عبر إثارة غيرتها، من خلال إطلاق إشارات بوجود اتجاهات جديدة في علاقات الأردن الجديدة، وهو امر لا يصدقه حلفاء الأردن التاريخيون، على اي حال، ويعرفون انه مجرد تكتيك ولا يتجاوبون معه، ابدا.
هذا واقع خطير، اذ حتى تستمر في هذه المنطقة الحساسة من العالم، أنت بحاجة الى حلفاء أقوياء، اما انصاف العلاقات، وارباعها، والاقتراب من الكل، وفي الوقت ذاته، عدم الاقتراب من الكل، لعدم الرغبة بدفع أي ثمن لهذه الأطراف، يجعلك ضعيفا ومعزولا، ولا تسترد اهميتك الا عند حدوث خطر اكبر في المنطقة، يعيد أهميتك السياسية على الخريطة.