تراجع على مؤشر المعرفة العالمي!

مثل أي خبر ثانوي، مر خبر تراجع الأردن 9 مراتب على مؤشر المعرفة العالمي للعام الحالي. قد لا يهم مثل هذا الخبر الكثيرين، حتى ولا وزارة التربية والتعليم أو وزارة التعليم العالي، اللتين يفترض أن تكونا معنيتين بالأمر، خصوصا أن هذا المؤشر يقيس العديد من العمليات، بما فيها التعليم قبل الجامعي، والتعليم التقني والتدريب المهني، والتعليم العالي!!اضافة اعلان
الأردن تراجع للمرتبة 79 من بين 138 دولة، مقارنة بالمرتبة 70 في مؤشر العام الماضي، ليشير التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، إلى أداء متوسط للأردن من حيث البنية التحتية المعرفية.
المؤشر يقيس أنظمة المعرفة المختلفة، على سبعة قطاعات هي: التعليم قبل الجامعي، والتعليم التقني والتدريب المهني والتعليم العالي والبحث والتطوير والابتكار وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والاقتصاد، والبيئات التمكينية.
الأردن حل في المرتبة 110 في مؤشر التعليم قبل الجامعي، و85 بمؤشر التعليم التقني والتدريب المهني، و50 في التعليم العالي، و75 في البحث والتطوير والابتكار، و73 في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، و59 في الاقتصاد، و87 في البيئات التمكينية.
ما يعنيني هنا، هو التعليم قبل الجامعي، والذي يبدو التراجع فيه حادا وخطيرا، وقد لا تشير فيه المؤشرات سوى إلى قمة الجبل الجليدي.
في عام استثنائي اختبرنا فيه التعليم عن بعد، طرحت الوزارة نفسها خصما لكل ملاحظة أو تحفظ أو نقد أو ممارسة خارح السياقات التي أقرتها كسياسات لا تقبل القسمة أو "الزحزحزة". كثيرون تساءلوا عن مغزى التعنت الرسمي، وعدم الإيمان بالتشاركية من قبل الوزارة، خصوصا بعد "الإنجازات المهمة" التي تكللت بحصول 80 طالبا في الثانوية العامة على معدل 100، ما ينتقص من جدية الامتحان وهيبته!
منذ بداية الجائحة، ظلت الوزارة ممسكة بجميع ملفات التعليم في يد واحدة، وبمركزية حاولت من خلالها أن تبدو صارمة في تنفيذ السياسات والإجراءات، غير أن الثابت هو أنها حيّدت غالبية أركان عملية التعليم، المديريات والمدارس والمعلمين. وإذا كان محور عملية التعليم يدور في الأساس حول توصيل التعليم إلى الطلبة، سواء كانوا في الصف خلال التعليم الوجاهي، أو في البيت بالتعليم عن بعد، فإن منجز الوزارة في هذا السياق يتبدى عاريا تماما، ويقترب من مديات خطيرة في "المغامرة" بمستقبل أبنائنا.
في أي مساحة للسجال، يمكن لأي شخص أن يتمسك برأيه من دون أي دليل، وأن يقول "عنزة ولو طارت"، وللأسف، فهذا هو حال وزارة التربية والتعليم اليوم، والتي لا ترى لها أي شركاء في عملية التعليم، بل تريد تسجيل "منجزات" بودنا لو لمسنا أيا منها، وسنكتشف لاحقا الخسارات الكبيرة التي منينا بها نتيجة أننا لم نقاوم "نص السلطة"!
في المعايير الأدبية والأخلاقية والقانونية، يتبدى نص السلطة واضحا من السياسات والإجراءات التي تتخذها وزارة الدكتور تيسير النعيمي لإدامة عملية التعليم هذه الأيام، ولكن هل هي إجراءات تشاركية حاولت من خلالها أن تصغي إلى الملاحظات والأفكار والتحفظات من جميع الأطراف؟
للأسف الشديد، لم يحدث مثل هذا الأمر، فقد جاءت قرارات الوزارة فوقية، وأحيانا بما لا يتناسب مع المصلحة العامة، المصلحة العامة التي نقصدها هنا، هي مصلحة الطلبة في نيل تعليم حقيقي. بيد أن الوزارة صمت أذنيها عن تحفظات الأهالي والمتابعين عن طبيعة منصة "درسك"، فنيا ومن حيث المحتوى وطريقة تقديمه، وعن وقت الحصص، وغياب التفاعل بين الطالب والمعلم، وغيرها من الملاحظات التي كان يمكن العمل على تخطيها بقليل من الحكمة والمرونة.
بعد كل هذا، هل ستبقى الوزارة على حالها من "تطنيش" الملاحظات القيمة التي يقدمها متطوعون لأجل المصلحة العامة. ينبغي لها ذلك، لعلنا نستطيع أن نردم مرتبتين أو ثلاثا من تراجعنا على مؤشرات كثيرة، وهو تراجع سببه التخبط في مسيرتنا التعليمية.