ترامب أمام الحائط المسدود مع إيران

يتم اليوم استحضار مقاربة إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما السياسية والاستراتيجية تجاه إيران في خلفية المشهد الذي يلف تصاعد الأزمة في الخليج العربي وفي عمقه بعد استهداف عصب شركة "أرامكو" السعودية والتعطيل المؤقت لتصدير الانتاج من النفط، حيث تصل مقاربة الرئيس ترامب اليوم التي جرّ لها حلفاءه بالخليج إلى حائط مسدود، تتقلص عنده خيارات الرد الاستراتيجية والتكتيكية ضد إيران دون المغامرة بإشعال الشرق الأوسط والإضرار بشريان الطاقة الحيوي لكل العالم!اضافة اعلان
أولى قرارات الأهوج ترامب الاستراتيجية كانت الانقلاب على استراتيجية أوباما لاحتواء الأزمة مع إيران، حيث انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق الدولي النووي معها، وسط دفع وحماسة من قبل إسرائيل وتأييد خليجي، واعتماد ترامب مقاربة جديدة بملف الأزمة تمعن بالمزيد من عزل إيران ومحاصرتها وفرض العقوبات الاقتصادية عليها، بالتزامن مع إرساء سياسة الابتزاز و"الحلْب" للثروات العربية بصفقات السلاح والاستثمار الضخمة، التي لم تنجح بالمحصلة، بالحد من تعريض أمن الخليج العربي واستقراره للأخطار الكبيرة.
بين التلويح بالرد عسكريا على استهداف مواقع "ارامكو" وبين التراجع الأميركي عن هذا التهديد لكلفته العالية، والمراوحة في ذات الدائرة من فرض العقوبات الاقتصادية على إيران تتكشّف اليوم الأخطاء الاستراتيجية بالسياسة الأميركية التي أرستها مقاربة ترامب بالانقلاب على سياسة سلفه اوباما دون تقدير لحجم الأضرار التي يمكن أن تجلبها هذه المقاربة على المصالح الأميركية بل والدولية بالانسحاب من الاتفاق النووي والتراجع عن مقاربة الاحتواء عبر الحوار الاستراتيجي مع ايران والتوافق على احترام مصالح مختلف الأطراف.
لا يبدو الخيار العسكري تحديدا، الخيار المؤثر والرادع حقا، متاحا اليوم أمام إدارة ترامب في ظل قدرة ايران وحلفائها على استيعاب أي ضربة قبل الارتداد لتوجيه الضربة المقابلة، ما يفتح على تصعيد خطير يهدد الاستقرار والأمن في الخليج والمنطقة التي تشكل عصب الطاقة للعالم حتى الآن، وهو خيار قد يجر ترامب لأتون حرب واسعة لا تصب في النهاية حتى لو انتصر بها جدلا في مصلحة حملته الانتخابية وخطابه السياسي الذي بني على تخطي اسلافه المتأخرين بالذهاب لحروب خارجية والتضحية بجنود أميركيين كما في العراق وافغانستان.
مؤشرات هذا الاستبعاد لخيار الحرب والعملية العسكرية الواسعة لدى ترامب بالأزمة مع إيران تبدو واضحة من التصريحات المتواترة، وإن تناقضت أحيانا، من واشنطن، كما بدت واضحة من إقالة مستشار الأمن القومي الصقوري جون بولتون، الأكثر حماسة للخيار العسكري مع ايران، إضافة إلى التمايز الواضح لتصريحات ترامب مع تصريحات وسياسة حليفته اسرائيل ونتنياهو، اللذين يدفعان بقوة للخيار العسكري على ضفاف الخليح.
قد تكون أزمة ترامب في اعتماد هذه المقاربة الجديدة مع إيران، أي استبعاد الذهاب إلى الخيار العسكري المباشر معها، هي في تأثيرها السلبي على استراتيجيته في الابتزاز و"الحلب" لثروات الخليج التي حققت له شعبية واسعة بين جمهور ناخبيه، فالوقوف مكتوف الأيدي أمام استهداف إيران لمصالح دول الخليج، وتحديدا السعودية، رغم كل الإغداق والصفقات المالية الضخمة لا بد وأن يؤثر سلبا على العلاقة مع هذه الدول.
في ظل هذه المعطيات ومآلات الأزمة مع ايران تحضر تجربة واستراتيجية أوباما إلى المشهد، وتفرض ضرورة المقارنة والمفاضلة في التعاطي مع الأزمة وبما يحقق مصالح مختلف الأطراف والاستقرار في هذه المنطقة الملتهبة من العالم.
الأهم في هذا السياق هو الدرس الذي يمكن أن يتعلمه الطرف العربي والخليجي من مآلات مقاربة ترامب بالملف الايراني. المنطق والمصلحة تستدعيان العودة العربية إلى خيار الحوار الاستراتيجي مع ايران وترسيم التوافقات والمصالح المشتركة واحترام مصالح كل طرف، والوصول لتسويات لمختلف الملفات العالقة بين الطرفين في غير ساحة وبلد.