ترامب ضد العالم

الرئيس الاميركي دونالد ترامب.-(أرشيفية)
الرئيس الاميركي دونالد ترامب.-(أرشيفية)
هآرتس بقلم: تسفي برئيل 21/9/2020 القرار الاميركي الذي اعلن عنه وزير الخارجية مايك بومبيو، أن يفرض على ايران بصورة أحادية الجانب العقوبات التي كانت سارية قبل الاتفاق النووي، هو اعلان عن شن "حرب عالمية". منذ اسابيع كثيرة تحاول واشنطن تجنيد المجتمع الدولي كي يرفع معها راية تمديد حظر السلاح التقليدي على ايران، الذي من شأنه أن ينتهي في تشرين الاول. واذا لم يتم تمديد الحظر، حذرت الولايات المتحدة، فهي ستعمل على اعادة فرض كامل العقوبات الدولية التي فرضت على ايران قبل التوقيع على الاتفاق النووي، والتي تم رفعها بالتدريج عند التوقيع على الاتفاق في 2015. مبادرة دونالد ترامب لم تنجح. وبدلا من التجند استقبل برفض مشين. المبرر القانوني كما يبدو الذي طرحه يقول إن الولايات المتحدة يمكنها أن تطلب من الامم المتحدة اعادة فرض العقوبات الدولية لأنها شريكة في الاتفاق النووي. وردا على ذلك تقول الدول الاخرى التي وقعت على الاتفاق (المانيا، روسيا، الصين، فرنسا وبريطانيا) إن الولايات المتحدة فقدت المكانة التي تمكنها من طرح مثل هذا الطلب بعد انسحابها من الاتفاق النووي في 2018. لم يكن هناك في الاصل احتمال لنجاح طلب واشنطن. لأن دولتين من الدول التي وقعت على الاتفاق، الصين وروسيا، ستضع الفيتو على أي قرار يعيد العجلة الى الوراء. من هنا ولد القرار الاميركي بالعمل بصورة احادية الجانب مع اسماع تهديد صريح يقول إن الولايات المتحدة ستعمل من اجل معاقبة كل من سيعمل خلافا لموقفها. التفسير العملي لهذا التهديد، اذا تحقق، هو أن الولايات المتحدة يمكنها فرض العقوبات على دول وعلى شركات دولية وعلى هيئات واشخاص في العالم واصلوا اقامة علاقات مع ايران خلافا لسياسة العقوبات الجديدة لها. يبدو بهذا الاعلان، أن ترامب مهندس الاتفاقيات بين اسرائيل واتحاد الامارات والبحرين، يقدم استعراضا انتخابيا هستيريا آخر في اطار زيادة سمك "ملف الانجازات" الذي سيعرضه على الناخبين كدليل على موهبته الخارقة في ادارة السياسة الخارجية. ولكن هذا القرار مليء بالثقوب. فمن بين الدول التي تقيم علاقات وثيقة مع ايران يمكن أن نجد، على سبيل المثال، قطر، التي تستضيف احدى القواعد الاميركية الكبرى في الشرق الاوسط، وفي نفس الوقت تدير مع ايران حقل الغاز الاكبر في الخليج الفارسي، دولة اتحاد الامارات منحت هذه السنة تصريحا لشركات ايرانية من اجل استئناف نشاطها في دبي، وهي تمنح المواطنين ورجال الاعمال الايرانيين تأشيرات دخول بدون قيود تقريبا. مشترون ايرانيون يشترون عقارات في الامارات، وبهذا يساعدون على اعادة تأهيل هذا الفرع الذي تلقى ضربة شديدة. سلطنة عمان، مرشحة اخرى للتوقيع على اتفاق سلام مع اسرائيل، تقيم علاقات وثيقة مع ايران وتعمل كوسيط بين واشنطن وطهران، وبين ايران والسعودية. تركيا في الواقع توقفت عن شراء النفط والغاز من ايران، لكنها تقيم معها علاقات تجارية وعلاقات تعاون. العراق الذي حجم تجارته مع ايران يبلغ 12 مليار دولار، يعتمد على ايران في تزويد الغاز والكهرباء والمياه، وعلى اراضيه تعمل المليشيات الشيعية التي ترعاها ايران. ورغم سياسته المؤيدة لاميركا، فإن لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لا يوجد في هذه الاثناء أي بديل لأنبوب التنفس الاقتصادي الايراني. هل هذه الدول، وهي اقرب اصدقاء واشنطن، ستتحمل ثقل ذراع الادارة الاميركية؟ هل الجيش الاميركي سيفكك قواعده في قطر وسلطنة عمان؟. الصين وروسيا هما الدولتان المخلصتان اللتان ستواصلان دعم الاقتصاد الايراني، وعليهما تستند في ترسيخ قدرات صمودها امام العقوبات. صحيح أن الصين قلصت بشكل كبير حجم مشترياتها من النفط من ايران. لكن الدولتين تتفاوضان على اتفاقية استراتيجية اقتصادية تستثمر بحسبها الصين مئات مليارات الدولارات في ايران خلال الـ25 سنة القادمة، مقابل توفير نفط بأسعار مخفضة في نفس الفترة. الاتفاق هو جزء من استراتيجية "الحزام والطريق" التي تبنتها الصين لضمان شبكة تجارتها ونفوذها في الشرق الاوسط وفي آسيا، وفيما بعد ايضا في اوروبا. هل تهديدات ترامب بمعاقبة الصين بسبب علاقتها مع ايران ستؤثر على حلم بكين المستقبلي. الصين اعلنت في السابق أنها ستعارض، سواء تمديد الحظر على ايران أو فرض العقوبات الجديدة التي تنوي واشنطن فرضها. موقف مشابه وقاطع عرضته أول من أمس وزارة الخارجية الروسية التي قالت إن "المبادرات والافعال غير الشرعية للولايات المتحدة لا يمكنها التأثير على دول اخرى". أي أنه لا يوجد لموسكو أي نية للسير خلف اخطاء ترامب، لا سيما في الوقت الذي فيه الولايات المتحدة آخذة في التلاشي من الشرق الاوسط. ولا يقل عن ذلك صعوبة أن نفهم كيف يوفق ترامب بين اعلانه في مراسيم التوقيع على اتفاقات السلام بين اسرائيل ودول الخليج، الذي يقول إنه اذا انتخب مرة اخرى فسيمنح ايران صفقة ممتازة، وبين نية فرض عقوبات جديدة. التجربة تعلم أن كل جهد يتم بذله من اجل ايجاد منطق في سياسة ترامب الخارجية، نهايته ستكون خيبة الأمل واستسلام شديد. زعيم الدولة الاقوى في العالم يغرد في طريقه نحو تشرين الثاني (نوفمبر) وهو يلقي عبوات ناسفة جانبية في كل اتجاه. الآن وهو يفتح جبهة امام حلفائه في اوروبا وامام دول معادية قوية مثل روسيا والصين، فانه يحول بالضبط ايران الى شخص مستضعف يحتاج الى حمايتهما من جنونه.اضافة اعلان