ترامب وحلفاؤه في الإدارة والكونغرس يسعون إلى إلغاء وضع اللاجئ لملايين الفلسطينيين

السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي وكبير مستشاري البيت الأبيض، جاريد كوشنير – (أرشيفية)
السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي وكبير مستشاري البيت الأبيض، جاريد كوشنير – (أرشيفية)

كولوم لينتش؛ وروبي غريمر* - (فورين بوليسي) 3/8/2018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

في تقرير داخلي من العام 2015، أشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة "تعترف بأحفاد اللاجئين كلاجئين لأغراض عملياتها". وقال التقرير، الذي رُفعت عنه السرية مؤخراً، إن الأمم المتحدة تعترف بأحفاد اللاجئين الأفغان، والبوتانيين، والبورميين، والصوماليين والتبتيين، كلاجئين هم أنفسهم.اضافة اعلان
*    *    *
يحاول جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبير مستشاريه، التخلص بهدوء من وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة التي وفرت الغذاء والخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين على مدى عقود، وفقاً لرسائل البريد الإلكتروني الداخلية له، والتي حصلت عليها مجلة "فورين بوليسي".
وتأتي مبادرته في إطار حملة أوسع نطاقاً، تشنها إدارة ترامب وحلفاؤها في الكونغرس لتجريد هؤلاء الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين في المنطقة، وإزالة قضيتهم عن الطاولة في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وفقاً لمسؤولين أميركيين وفلسطينيين. وهناك اثنان من مشاريع القوانين على الأقل، واللذان يشقان طريقهما عبر الكونغرس للتعامل مع هذه القضية.
وكان كوشنر، الذي أوكل إليه ترامب مهمة حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، متردداً في التحدث علانية عن أي جانب من جوانب دبلوماسيته في الشرق الأوسط. وكانت خطة السلام التي يعمل عليها مع مسؤولين أميركيين آخرين منذ نحو 18 شهراً، واحدة من أكثر وثائق واشنطن إحاطة بالسرية.
لكن موقفه من قضية اللاجئين وعداؤه تجاه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، ظهر واضحاً في رسائل البريد الإلكتروني الداخلية التي كتبها كوشنر وآخرون في وقت سابق من هذا العام.
كتب كوشنر عن الوكالة في واحدة من تلك الرسائل الإلكترونية، والمؤرخة بتاريخ 11 كانون الثاني (يناير) والموجهة إلى العديد من كبار المسؤولين الآخرين، بمن فيهم مبعوث ترامب للسلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات: "من المهم أن يكون هناك جهد صادق ومخلص لتعطيل الأونروا".
وأضاف: "هذه (الوكالة) تديم الوضع الراهن، وهي فاسدة، وغير فعالة ولا تساعد السلام".
كانت الولايات المتحدة قد ساعدت على تمويل الأونروا منذ تأسيسها في العام 1949 من أجل توفير الإغاثة للفلسطينيين الذين شُرِّدوا من منازلهم بعد قيام دولة إسرائيل والحرب الدولية التي تلت ذلك. واعتبرت الإدارات الأميركية السابقة الوكالة بمثابة مساهم حاسم في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
لكن العديد من مؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة ينظرون اليوم إلى الأونروا على أنها جزء من بنية تحتية دولية أبقت قضية اللاجئين حية بشكل مصطنع، وأبقت الآمال حاضرة بين الفلسطينيين في المنفى بأنهم قد يعودون يوماً ما إلى ديارهم -وهو احتمال ترفضه إسرائيل بشكل قاطع.
ويشير منتقدو الوكالة بشكل خاص إلى سياستها المتمثلة في منح وضع اللاجئ -ليس فقط لأولئك الذين خرجوا من فلسطين الانتداب منذ 70 عاماً، وإنما لأحفادهم أيضاً، وهو ما يرفع عدد اللاجئين إلى حوالي 5 ملايين شخص، يعيش ثلثهم تقريباً في مخيمات في الأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية وغزة.
بمحاولتها إبعاد الأونروا، تبدو إدارة ترامب مستعدة لإعادة صياغة شروط قضية اللاجئين الفلسطينيين لصالح إسرائيل -كما فعلت في قضية رئيسية أخرى في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عندما اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
في نفس رسالة البريد الإلكتروني المذكورة في كانون الثاني (يناير)، كتب كوشنر: "لا يمكن أن يكون هدفنا هو الإبقاء على الأمور مستقرة كما هي. ...في بعض الأحيان يكون عليك أن تخاطر استراتيجياً بكسر الأشياء من أجل الوصول إلى هناك".
وكان كوشنر قد أثار قضية اللاجئين مع المسؤولين في الأردن خلال زيارة للمنطقة في حزيران (يونيو)، إلى جنب الممثل الخاص للمفاوضات الدولية، جيسون غرينبلات. ووفقاً لمسؤولين فلسطينيين، فقد ضغط كوشنر على الأردن لتجريد أكثر من مليوني فلسطيني مسجلين فيه من صفة لاجئ، حتى لا تعود هناك حاجة إلى عمل الأونروا في البلد.
وقالت حنان عشراوي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية: "(كوشنر قال) إن عملية إعادة التوطين يجب أن تتم في الدول المضيفة، ويمكن لهذه الحكومات أن تؤدي المهمة التي تقوم بها الأونروا".
وأضافت أن إدارة ترامب تريد من دول الخليج العربية الغنية أن تغطي التكاليف التي قد يتكبدها الأردن في هذه العملية.
وقالت عشراوي: "إنهم (الأميركيون) يريدون أن يتخذوا قراراً خطيراً حقاً وغير مسؤول، وسوف تعاني منه المنطقة كلها".
وقال صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، للصحفيين في حزيران (يونيو) أن وفد كوشنر قال إنه مستعد لوقف تمويل الأونروا كليّة، وبدلاً من ذلك، توجيه الأموال -300 مليون دولار سنوياً- إلى الأردن والبلدان الأخرى التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين.
وأضاف عريقات: "كل هذا يهدف في الواقع إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين".
ورفض البيت الأبيض التعليق على سجل هذه القصة. وقال مسؤول كبير في السلطة التنفيذية، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق ببرنامج اللاجئين الفلسطينيين التابع للأمم المتحدة "تخضع لتقييم متكرر ومناقشات داخلية. سوف تعلن الإدارة عن سياستها في الوقت المناسب".
وكان كوشنر ونيكي هالي، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، قد اقترحا إنهاء تمويل الأونروا في كانون الثاني (يناير). لكن وزارة الخارجية والبنتاغون ومجتمع المخابرات الأميركية عارضوا هذه الفكرة، خوفاً من احتمال أن تؤدي إلى إثارة العنف في المنطقة.
وفي الأسبوع التالي، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة ستخفض أول دفعة من مدفوعاتها السنوية إلى الأونروا، والتي تبلغ قيمتها 125 مليون دولار، بأكثر من النصف، لتهبط إلى 60 مليون دولار فقط.
وكتب كوشنر في نفس رسالة البريد الإلكتروني المذكورة: "كانت الأونروا تهددنا منذ ستة أشهر بأنهم إذا لم يحصلوا على شيك، فإنهم سيقومون بإغلاق المدارس. ولم يحدث شيء".
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر ناويرت، في ذلك الوقت، إن الولايات المتحدة لا تنوي التخلص من تمويل اللاجئين الفلسطينيين، وأنها كانت تأخذ بعض الوقت فقط من أجل استكشاف طرق لإصلاح الأونروا ولإقناع الدول الأخرى بمساعدة واشنطن على تحمل العبء المالي لمساعدة الفلسطينيين.
ولكن في اليوم التالي، أرسلت فيكتوريا كواتس، وهي كبيرة مستشاري غرينبلات، رسالة إلكترونية إلى موظفي الأمن القومي في البيت الأبيض، والتي تشير إلى أن البيت الأبيض كان يدرس طريقة للقضاء على وكالة الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين.
وكتبت في الرسالة، "يجب على الأونروا أن تضع خطة للتخلص من نفسها وأن تصبح جزءاً من مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بحلول وقت مراجعة ميثاقها مرة أخرى في العام 2019".
وأشارت كواتس إلى أن هذا الاقتراح كان واحداً من بين عدد من "أفكار الاقتراحات التي حصلتُ عليها والتي تسترشد أيضاً ببعض الأفكار التي التقطتُها من جاريد، وجيسون، ونيكي".
وتضمنت أفكار أخرى اقتراحاً بالطلب من وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة أن تعمل على وضع ميزانية شهر بشهر، وأن تضع "خطة لإزالة كل معاداة السامية من المواد التعليمية".
وبدا أن هذه الأفكار تسير عن كثب في أعقاب المقترحات التي ما تزال إسرائيل تقدمها منذ بعض الوقت.
وقال إيلاد ستروماير، المتحدث باسم السفارة الإسرائيلية في واشنطن: "نعتقد أن الأونروا يجب أن تُتوفّى وتذهب من العالم، لأنها منظمة تروِّج سياسياً ضد إسرائيل وتديم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين".
وأضاف ستروماير أن الفلسطينيين هم السكان الوحيدون الذين يستطيعون نقل وضعهم كلاجئين عبر الأجيال.
لكن هذا الادعاء، على الرغم من دفع إسرائيل به منذ وقت طويل، ليس صحيحا تماماً. ففي تقرير داخلي من العام 2015، أشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة "تعترف بأحفاد اللاجئين كلاجئين لأغراض عملياتها". وقال التقرير، الذي رُفعت عنه السرية مؤخراً، أن الأمم المتحدة تعترف بأحفاد اللاجئين الأفغان، والبوتانيين، والبورميين، والصوماليين والتبتيين، كلاجئين هم أنفسهم.
من أصل ما يقرب من 700.000 لاجئ فلسطيني أصلي، ما يزال عدد قليل فقط، لا يتجاوز عشرات الآلاف، على قيد الحياة، حسب التقديرات.
كما أن الضغط من أجل حرمان معظم اللاجئين الفلسطينيين من هذه الصفة أصبح يكتسب زخماً في الكونغرس الأميركي أيضاً.
في الأسبوع الماضي، قدّم النائب دوج لامبورن، وهو جمهوري من ولاية كولورادو، مشروع قانون من شأنه أن يقصر مساعدات الولايات المتحدة على اللاجئين الأصليين فقط. وسيتم توجيه معظم المدخرات من المساهمات المخصصة للأمم المتحدة إلى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهي وكالة التنمية الدولية الرئيسية في الولايات المتحدة. لكن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مقيدة حالياً بقانون قوة تايلور، الذي يقيد تقديم المساعدات الإنسانية للسلطة الفلسطينية إلى أن تنتهي السلطة سياسة تقديم المساعدات لأسر "الإرهابيين" الذين سقطوا.
وجاء في مشروع قانون لامورن: "بدلاً من أن تقوم بإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين النازحين نتيجة للصراع العربي الإسرائيلي في العام 1948، تقوم الأونروا بتقديم مساعدات لأولئك الذين تُعرِّفهم كلاجئين فلسطينيين إلى أن يكون هناك حل يعتبرونه مقبولاً للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني".
ويضيف مشروع القرار: "هذه السياسة لا تساعد على إعادة توطين اللاجئين من العام 1948، وإنما تبقي على وجود سكان لاجئين إلى الأبد".
وقال أحد مساعدي الكونغرس المطلعين على التشريع إن نيته لا تهدف إلى قطع تمويل الأونروا، وإنما إلى إعادة توجيه المساعدات إلى أحفاد اللاجئين من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وقال المساعد: "يجب أن يحصل الأشخاص الذين يعانون على المساعدات بعد كل شيء، ولكن من خلال القنوات الإنسانية وبرامج المساعدات المعرَّفة بشكل ملائم".
وبالمثل، قام السناتور جيمس لنكفورد، (جمهوري من أوكلاهوما)، بصياغة مشروع قانون يعيد توجيه التمويل الأميركي بعيداً عن الأونروا وإلى وكالات محلية ودولية أخرى.
ويطالب مشروع القانون، الذي لم يتم تقديمه رسمياً بعد، بأن تعمل وزيرة الخارجية الأميركية على أن تكون الأمم المتحدة قد أنهت بحلول العام 2020 اعترافها بأحفاد الفلسطينيين كلاجئين.
وتقول مسودة مشروع القانون التي حصلت عليها مجلة فورين بوليسي: "يجب على الأمم المتحدة تقديم المساعدة للفلسطينيين بطريقة توضح أن الأمم المتحدة لا تعترف بأن الغالبية العظمى من الفلسطينيين المسجلين حالياً لدى الأونروا كلاجئين يستحقون وضع لاجئ".
وكانت الإدارات الأميركية السابقة قد أكدت على أن الغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يتم استيعابها في نهاية المطاف في دولة فلسطينية جديدة، أو أن يجري تطبيعهم في الدول التي استضافتهم لأجيال.
ولكن، كان من المتوقع أن يتم الاتفاق على مصير قضية اللاجئين كجزء من اتفاقية سلام شاملة، والتي تُسفر عن إقامة دولة فلسطينية.
تقول لارا فريدمان، رئيسة مؤسسة السلام في الشرق الأوسط: "من الواضح جداً أن الهدف الرئيسي هنا هو القضاء على اللاجئين الفلسطينيين كقضية، من خلال إعادة تعريفهم لشطبهم من الوجود".
وتضيف: "هذا لن يجعل السلام أسهل. وإنما سيجعله أكثر صعوبة".

*كولوم لينش: هو كبير مراسلي الشؤون الدبلوماسية الذي يعمل من الأمم المتحدة، وهو حائز على جائزة "فورين بوليسي". روبي غرامر: مراسل لشؤون الدبلوماسية والأمن القومي في "فورين بوليسي.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Trump and Allies Seek End to Refugee Status for Millions of Palestinians