ترامب يضرب من جديد

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أول من أمس، خروجه من الاتفاق النووي الإيراني، الذي وقّعته إدارة سلفه باراك أوباما مع طهران، (ومعها ست دولٍ أخرى العام 2015). واللافت أنّ هذه الإدارة لا تعلن خشيتها وصول إيران للسلاح النووي بما يخالف الاتفاق، بل على العكس يعلنون اطمئنانهم أنّ هذا لن يحدث. هذه الخطوة، جزء من نمط شخصية ترامب، وأنه ينفذ وعوده، ومن مبدأ تحقيق مصالح بلاده من دون اتفاقيات دولية، وهو استجابة للحلفاء الإقليميين.اضافة اعلان
علّق ترامب على احتمال اندفاع إيران الآن للتسلح النووي، بالقول إنّ إيران لا تمتلك قدرات اقتصادية لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في الشرق الأوسط، وقال "إنّ أي تحرك نحو انطلاقة لإنتاج السلاح النووي سيؤدي لمنح إسرائيل والولايات المتحدة مبررا للقيام بعمل عسكري". من هنا فهذه الخطوة، هي جزئياً ليعلن ترامب أنّه ينفذ وعوده، وأنه يتصدى للدول المخالفة له، من دون توقع مشروع تسلح نووي إيراني فعلاً، وإن كان هناك أيضاً عمل على منع مشاريع تسلح وتوسع إيرانيين، في مجالات غير نووية، وهو في هذا يستجيب لحلفاء إقليميين، مثل السعودية، وإسرائيل.
في معرض ترحيبه بالقرار، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، إنّ الاتفاق النووي لم يبعد الحرب، وأضاف "الاتفاق لم يقلل عدوانية إيران، بل زادها بشكل درامي، ورأينا هذا في جميع الشرق الأوسط".
لم توافق الدول الأعضاء الأخرى في الاتفاق على الخطوة الأميركية، فأصدرت فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، بياناً مشتركاً يعارض الخطوة، ويدعو طهران للالتزام بالاتفاق، وهو موقف يُعتقَد أنّ الصين وروسيا تتبنياه. وهذا الموقف يعني أحد سيناريوهين؛ أن الولايات المتحدة، ستجد نفسها وحيدة بين الدول التجارية والصناعية الكبرى، بعد الرفض الأوروبي إعادة فرض العقوبات التجارية على إيران، ما يعني المزيد من السياسات التي تضعف الولايات المتحدة، خصوصاً أن أي فرص تجارية يفقدها الأميركيون سيكسبها الأوروبيون والصينيون والروس. والسيناريو الثاني، أنّ الولايات المتحدة ستعاقب الشركات العالمية، بما فيها الأوروبية، التي تدخل في علاقات مع إيران، وهو ما قد يعني توترا وحربا تجارية بين الطرفين. ولكنه قد يعني استجابة شركات ورفض أخرى، بحسب مصالحها، وهو ما يوفر لإيران ثغرات للتسلل منها والحصول على ما تريد تجارياً عالمياً وإن بصعوبات أكبر، مع بقاء بعض الإجراءات التي ستمس إيران فعلياً، مثل عدم الإفراج عن الأرصدة الإيرانية وعدم التعامل مع طهران، من قبل البنوك الأميركية.
قررت إيران التمهل في الرد، وربما ستجري حسابات، لمدى أثر الحصار المتوقع، بينما يدرس الأوروبيون، طريقة لإنقاذ الوضع، وما إذا كان تعديل ما للاتفاق توافق عليه طهران، قد يرضاه ترامب ليبدو منتصراً قادراً على الحصول على اتفاق أفضل من سلفه.
سيكون موقف دول الخليج العربية مهما، فإذا قررت بعض هذه الدول، الالتزام بالحصار، فهذا يعني الدخول فيما يشبه استقطابا عالميا، الولايات المتحدة ومعها دول إقليمية أساسية، مقابل سياسة أوروبية روسية صينية، وسيتعقد الموقف أكثر، إذا انقسم الموقف الخليجي، وواصلت دول عربية (مثل عُمان) علاقاتها مع إيران، فيحدث الاستقطاب خليجياً أيضاً.
كان يمكن بناء تحرك مشترك عالمياً ضد التدخل الإيراني في دول المنطقة، ضمن خطة متسعة تدريجياً، مع مطالبة أوروبا بلعب دور في مواجهة هذا التحرك، ولكن ليحدث ذلك لا بد وأن يكون لدى واشنطن، خطة تقوم على احترام القانون الدولي، وتسعى لحل مشكلات المنطقة المختلفة، بدءا من الحروب الأهلية الجارية، وصولاً للصراع العربي الإسرائيلي، على أسس متفق عليها، ولكن إدارة ترامب تسير بالاتجاه المعاكس، وتراهن على أنّ العالم الذي لم يتحرك بعد، ضرباته السابقة؛ انسحابه من اتفاق باريس للمناخ، وبعد قرار القدس، لن يتحرك الآن.
في ملفات الاختلاف الأوروبية الأميركية، أمور مثل انسحاب واشنطن المتزايد من اتفاقيات دولية، والقرارات الأحادية (مثل القدس)، والآن إيران، وهي قضية أكثر خطورة من سابقاتها، في المدى المنظور. لذلك فإنّ الخطوة إزاء إيران لن تتم رؤيتها في سياق معزول عن خوف أوروبي وعالمي من انهيار النظام الدولي ومؤسساته، فبداية تعد فكرة التراجع عن الاتفاقيات والمعاهدات، تهديدا لكل فكرة الالتزامات الدولية المفروضة على الدول، وسيصبح الانسحاب من الاتفاقيات الدولية أسهل بالنسبة لكثير من الدول.