تربويون: التحصيل الدراسي ليس مقياسا لانتقاء الأصدقاء

منى أبوحمور

عمان- حالة من الغضب والإحباط سيطرت على الطفلة رناد محمد، التي لا يكلمها أحد من طالبات صفها.
“أقضي معظم يومي الدراسي وحدي في الصف حتى في الفسحة”، واصفة بحرقة رغبتها الشديدة في مشاركة زميلاتها في الصف جلساتهن ولعبهن في الساحة. لدرجة أنها أصبح تتحاشى النزول إلى حصة الرياضة حتى لا تبقى وحدها.اضافة اعلان
استغراب رناد وتجاهل زميلاتها لها لم يدم طويلا، خصوصا بعد أن سمعت زميلاتها يبررن ذلك “لأنها بنت مش شاطرة”.
خوف الأهل أحيانا ورغبتهم بتكوين علاقات اجتماعية مثالية لأبنائهم بغض النظر عن مدى تأثيرها السلبي عليهم، هو ما يدفعهم لزرع تلك الأفكار السلبية في شخصيتهم، بحسب المرشدة الاجتماعية في إحدى المدارس فاطمة الحياري، التي أشارت إلى مدى تأثير هذا السلوك على الأبناء بالدرجة الأولى.
وتلفت إلى أن شعور الطالب غير المتفوق بتجاهل زملائه له ونبذه فقط لأنه غير متفوق، يولد لديه الشعور باليأس والإحباط ورفض من حوله حتى أنه يربط كل ما يحدث معه في الحياة بفشله بالمدرسة، الأمر الذي ينعكس عليه وعلى شخصيته.
وتذهب الحياري إلى أن للمعلم دورا كبيرا في ضحد هذه الأفكار من عقول الطلاب وإيجاد نوع من التفاعل بين الطلبة في الصف وتوزيع الطلبة داخل الصف بصورة متوازنة من حيث القدرات التحصيلية وتوعية الأهل على مدى ضرر مثل هذه الأفكار على كلا الطرفين.
“مصلحة ابنتي ومستقبلها هو ما يهمني بالدرجة الأولى”، تقول الأربعينية ابتسام عطية، التي تلفت إلى أن من حقها أن تنصح ابنتها باختيار الصديقة المتفوقة والمميزة على اعتبار أنها ستكون حاصلة على قدر كبير من التفوق ولن يكون لديها أي اهتمام سوى دراستها.
بيد أن ملاحظة دانا محمد (6 أعوام) القوية بتجنب جميع طالبات الصف اللعب مع زميلتها أثارت فضولها، مستغربة تصرفهن رغم أنها جميلة ومرتبة، وفق قولها.
معرفة السبب الحقيقي وراء رفض صديقاتها للعب مع هذه الفتاة لم تحظَ بأي نوع من الاهتمام من قبلها، ضاربة عرض الحائط عدم تفوقها في الدراسة ومكتفية بهدوئها وأدبها ونظافة ملابسها، “مش مهم انها تكون بتعرف كل شي المهم انها حلوة وبتعرف تلعب”.
بدوره، يلفت التربوي الدكتور محمد أبوالسعود، إلى أن الأصل أن لا تكون هناك علاقة بين اختيار الشخص وتحصيله الدراسي، منوها إلى أنه توجيه خاطئ والمفروض أن يتم اختيار الشخص على بناء على الارتياح له والأشياء المشتركة البيئية والمفاهيم وطريقة التربية.
ويجد أن التحصيل العلمي والقدرات الذكائية والتحصيلية تعتمد على الكثير من المقاييس والمفاهيم التربوية والاجتماعية، لافتا أن تفوق شخص ما في التحصيل العلمي لا يعني أبدا أن يكون ناجحا اجتماعيا. ويضيف أن اعتماد هذا النهج في تكوين علاقات الأبناء قد يعرضهم للفشل في علاقاتهم الاجتماعية واختيار أصدقائهم، الأمر الذي ينعكس عليهم لاحقا بجعلهم انطوائيين ومنعزلين وعدوانيين في أحيان أخرى.
وتنعكس تنشئة الطفل بهذه الطريقة السلبية في قدرته على اختيار أصدقائه في المستقبل، وتصبح ضعيفة؛ إذ يربط انتقاءاته للأصدقاء على التحصيل العلمي، متجاهلا العديد من الاعتبارات مثل التوافق الاجتماعي، لافتا إلى أن انتقاء الأصدقاء لابد أن يقوم على وجود العديد من السمات الشخصية والتربوية المشتركة، ولا صلة لها بالتحصيل العلمي.
وعلى الأهل تنشئة الأبناء بصورة اجتماعية سليمة وتربيتهم بطريقة ومعايير سليمة، تنعكس بصورة مباشرة على انتقاء الأصدقاء وفق المعايير التي تربوا ونشأوا عليها.
وشعرت الأم سوزان محمد، بالسعادة، حينما تفهمت صداقة ابنتها المتفوقة دراسيا وهي في الصف السادس مع طالبة أخرى غير مجتهدة، فهي راعت أنها تشعر بارتياح معها وهناك أمور كثيرة مشتركة تجمع بينهما.
سبب سعادة سوزان هو أن صديقة ابنتها أصبحت مع الوقت متفوقة، لأن تأثير ابنتها عليها كان ايجابيا، وكانت تشرح لها الدروس التي لم تكن تفهمها بالصف، مما أدى إلى تحسن مستواها الدراسي. وتبين أن على الأهل أن يتفهموا اختيار أبنائهم لأصدقائهم، وتأثيرهم الايجابي عليهم في كثير من الأحيان، وعدم إلزامهم بصداقات هم من يحددها.
وفي المضمار النفسي، يشير اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة، إلى أن هذا النوع من التوجيه يكسب الطفل حالة من عدم التوازن النفسي؛ حيث يحاول الأهل ومن خلال هذا التصرف التدخل بتكوين شخصية الطفل واختياراته، لاسيما وأنه في هذه المرحلة يقوم بتنفيذ ما يقوم الأهل بتلقينه له.
ويردف “هذا الأمر يشعر الطفل بأن ملازمته للطالب الذكي والمتفوق يكمله ويعزز شخصيته، الأمر الذي يولد لديه الشعور بالحقد والغيرة، خصوصا عندما يوجهه الأهل بطريقة سلبية”.
ويفقده هذا النوع من التربية، وفق مطارنة، وجود الحياة العفوية لدى الطفل التي تخلق الراحة في حياته وتأسره ضمن إطار معين في العلاقات وتقيد حريته وتعزز لديه شعورا بالنقص بأنه غير قادر على أن يكون مميزا أو ذكيا إلا بمرافقته لهؤلاء الأشخاص.
ويلفت مطارنة إلى سلبية هذا النوع من التوجيه على الأطفال، فهو يخلق نوعا من عدم التجانس في شخصية الطفل وضعف الشخصية والحقد والكراهية وحالة من الإحباط التي قد تؤثر سلبيا على تعامله مع الآخرين.
ويشير الى وجوب أن تعتمد التربية على حالة من التوازن النفسي واعتبار مكونات متوازنة قادرة على التواصل وتحدد الهدف الحقيقي وراء انتقاء علاقاته.
وينصح مطارنة الأهل بعدم التعامل مع أطفالهم وفق إسقاطاتهم الشخصية وتجاربهم الشخصية، وإنما التعامل معهم على أنهم كيان مستقل ومساعدتهم على تجاوز مشكلاتهم وليس التدخل باختياراتهم.