تربويون يدعون لتضمين المناهج المدرسية محتوى يتصدى لـ"التفكك الأسري"

20190708T135715-1562583435057577900
20190708T135715-1562583435057577900

آلاء مظهر

عمان - في ظل ارتفاع أعداد حالات الطلاق، وتصاعد الاتجاهات التي تتسبب بالتصدع الأسري، فإن خبراء تروبيين دعوا الى تضمين المناهج الدراسية محتوى، يركز على التماسك الأسري؛ ومعالجة السلوكات التي ترفع من حدة المشكلات الأسرية، والتصدي لظاهرة التفكك الأسري.اضافة اعلان
وطالب هؤلاء الخبراء، في أحاديث خاصة لـ"الغد"، بضرورة أن يشتمل محتوى المناهج، دروسا ونصوصا حول مفهوم الزواج، والادوار المتغيرة للزوجين في بنية الاسرة، وشكل العلاقات الزوجية وكيفية اختيار الشركاء لبعضهم قبل الزواج، ومعايير الاختيار.
وأوضحوا أن التشارك في تحمل أعباء الأسرة، وبنائها واحترام الشركاء لبعضهم، عناصر مهمة في خلق أسرة متماسكة، يجب ان تبرزها محتويات المناهج.
وشددوا على إنتاج مناهج متطورة، تعرف بمشاكل المجتمع وتقدم مقترحات لحلولها، وتضمين هذه المناهج، مفاهيم حول تماسك المكونات الاجتماعية، وإشاعة ثقافة الحلول الذاتية للمشكلات الاجتماعية، وتحصين الجيل بأدوات بناء الأسرة السليمة، وتعزيز ثقافة الدور المتعلق بالنوع الاجتماعي، وكيفية اختلاف الادوار وتكاملها في وقت واحد.
الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات؛ قال ان التفسير الاجتماعي للطلاق، ينطلق من متغيرات اساسية، اجتاحت المؤسسات والافراد، تحت وطأة ما صاغته العولمة من تغيرات، اثرت مباشرة على الاسرة وادوار الرجال والنساء.
واشار الى ان الاسرة؛ لم تعد وحدة للانجاب فقط؛ فهناك اسر غير منجبة واخرى غير راغبة بالانجاب، وهذا ما يجب على المجتمع ان يعيه، كما تغيرت أدوار الرجل والمرأة؛ فالرجل لم يعد صاحب السيادة الكاملة والسلطة المطلقة في الاسرة.
وبين عبيدات ان الرجل لم يعد هو القوام؛ حتى لو امتلك المال، فالمرأة قوامة بحكم توافر فرص عمل لها، وتعلمها؛ وربما سلطتها، لافتا الى ان الاسرة؛ كانت وحدة مستقلة سيدة نفسها، وان سيادتها كاملة، لكن هذا الوضع تغير، فأصبحت سيادة الاسرة مخترقة، يسهل التدخل بشؤونها، بخاصة اذا كان لأحد الزوجين ارتباط مالي بأهله.
ومن جانب آخر، نبه عبيدات الى ان العلاقات بين الافراد أيضا تغيرت، واصبحت اقل متانة واكثر قابلية للتدهور، فليس هناك علاقات دائمة، وهو ما ينعكس على صياغة مفهوم المجتمع كوحدة متماسكة، بالاضافة الى انعكاس هذا الفهم على الاسرة تعيش مناخا محملا بمتغيرات متسارعة ولا ثابت فيها.
واوضح ان بناء الاسرة يحتاج لتربية معمقة، ومنهاج حول اختيار العلاقات ومعاييرها، ومفهوم الزواج والادوار المتغيرة للزوجين، موضحا ان الزواج موضوع تربوي نتعلمه كأولوية.
بدوره؛ أكد الخبير التربوي محمود المساد، أن التربية والتعليم حاضنة أساسية تنبت وتنمو وتترسخ فيها، منظومة قيم ومعارف ومهارات، تشكل الإطار الفكري الذي يوجه السلوك الفردي والجمعي، ويدعم نجاح الفعل التربوي، بتنمية منظومة القيم المرغوب بها، وبالذات المرتبطة بالأسرة، ما يعزز نجاح الزواج، ويقلل من فرص التصدع الاسري والطلاق.
ولفت الى أنه من الأهمية بمكان، أن توجه هذه المحتويات بشكل تتناسب واعمار الطلبة، بخاصة في مرحلتي التعليم قبل المدرسة والأساسية الأولى، تدعمها بذلك مؤسسة الأسرة والمؤسسات الدينية والإعلامية، برغم تباينات توجهاتها أحيانا.
وأكد المساد أهمية هذا الدور للمؤسسة التربوية؛ لكن هناك عوامل كثيرة؛ قللت من فرص نجاحها المتوقع بترسيخها؛ مثل: التعليم القائم على الوعظ والتلقين، وتخلي المناهج والكتب المدرسية عن مضامين هذه القيم، والاكتفاء بمعلومات عنها، وتراخي المعلمين وقلة وقتهم المدرسي، وضعف قناعاتهم بتشكيل نماذج القدوات التي تدفع الطلبة إلى محاكاتهم، واتساع الفجوة بين المؤسسات الداعمة (الدينية والإعلامية والأسرة) في توجهاتها، إزاء هذه المنظومة القيمية.
من جهة ثانية، فإن العالم تعرض لتغيرات جارفة، انعكست على كثير من القيم وموروثات الأمة الثقافية، تحت مسميات: العولمة وثورة التكنولوجيا والاتصالات، في ظل ضعف المؤسسات التربوية على صياغة مصدات تقاوم الاختراق المباغت لجسد القيم الموروثة، وتحصين المجتمع من القيم التي لاتتفق ومعايير ثقافته.
وقال المساد انه امام هذا الوضع من الاستهتار بأقدس رباط وأوثق شراكة؛ فقد بات لزاما على المؤسسة التربوية أن تستفيق لتلتزم بدورها، وأن تكون جديتها عالية في تضمين عملياتها وتشريعاتها ومناهجها، لحفظ هذه القيم وترسيخها وإعادة الهيبة لمفاهيمها المعدّلة للسلوك غير المرغوب به.
ولفت الى ان هذا ما يخطط له في المناهج الجديدة، بحيث سيجري تناول مفاهيم ومهارات عابرة للمواد الدراسية والصفوف، وتضمينها وإدماجها بطرق حديثة، لإكساب الطلبة قيما تتفق وروح المجتمع وتوجهاته التربوية السليمة.
وبين المساد أن هذا لا يعني أننا ضد الانفتاح والتحديث ومواكبة حركة التغير المجتمعي، لكننا في الوقت نفسه، معنيون بضبط هذه المعادلات والموالفة بين إيقاعاتها، لنحفظ للمفاهيم المعززة للقيم المرغوب بها أصالتها وبريقها، والتخفيف من مترتباتها المؤذية.
عليه؛ باتت المفاهيم العالمية واجبة الإدماج مع القيم الأصيلة في تراثنا؛ مثل: التفهم وقبول الاختلاف والمشاركة الحقيقية واحترام الشريك، والاستقلال المالي، وحق والحوار البناء؛ وغير ذلك مما ييسر الحياة الزوجية ويسهلها، بخاصة إن ترافقت مع الدعم الإيجابي من الأسرة الممتدة والمؤسسات الدينية؛ وفق المساد.
واتفق معه بالرأي، الخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة، قائلا إن المناهج الدراسية تعكس تطلعات وطموح المجتمعات وأهدافها وتوجهاتها، والواقع الذي تعيشه هذه المجتمعات، وما تمر به من أحداث وأزمات، ومن أبرزها ارتفاع حالات الطلاق وبروز التفكك الأسري، وتزايد العنف في الأسرة، وانعكاسه على المجتمع.
وبين ان المنهج المدرسي وليد المجتمع، ويعكس ثقافته وممارسته وحياته، ودور المنهج؛ علاج للثغرات والهفوات الاجتماعية كالحد من انتشار الطلاق.
وشدد النوايسة على بناء وتطوير المناهج؛ بالارتكاز على مشكلات المجتمع، إذ لم يعد من المعقول بناء مناهج دراسية وفق منظور معرفي، لا تراعى فيها مشكلات المجتمعات، ولا تستجيب للتطورات المعاصرة فيه، ومن أهمها المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الناس.
وأكد أنه بناء على ذلك "لا بد من تضمين المناهج مفاهيم التماسك الاجتماعي، وإشاعة ثقافة الحلول الذاتية للمشكلات الاجتماعية التي تواجه الناس، وتحصين الجيل من أدوات بناء الأسرة السليمة، وتعزيز ثقافة الدور المتعلق بالنوع الاجتماعي وكيفية اختلاف الادوار وتكاملها في وقت واحد".